النزعة الدينية: لماذا أنا أفضل منك؟

لا ينفي الكثير منا تلك النزعة الدينية بداخله، وكيف أننا نمنح لأنفسنا الأسبقية و الأحقية في أمور كثيرة. لمجرد أننا ولدنا في بلاد إسلامية و توارثنا الدين الإسلامي عن أجدادنا، وكوننا أيضا القوم الذي أرسل إليه آخر الرسل محمد عليه الصلاة والسلام. والكتاب السماوي الذي أنزل معه هو الكتاب الوحيد المحفوظ والذي لم يبدل أو يحرف.

انتبه جيدا من يبحث في تاريخ القرآن وكيف تناقلت آياته من شخص لآخر قد يصل للمعرفة الحقيقية به.
لن أتطرق في كتاباتي هذه إلى الجدال الذي يلتجئ إليه معظم أصحاب هذه النزعة، ما بين من سيدخل النار ومن سيدخل الجنة.

كيف تصبح النزعة الدينية وسيلة للحكم؟

ولكنني سأشاركك الأمر الذي يجعلني أتسائل: هل كوني مسلمة بالوراثة يمنحني الأفضلية في معرفة الله وتحقق كل وعوده لي؟

قد تقول الآن: نحن نعلم يا زهرة أنه من الطبيعي أن لا تقتصر معرفة الله لمجرد أننا مسلمون! لكن دعني اقول لك شيئا من المحتمل أنه تراود في ذهنك مرات عديدة.

‘أنا مسلم وأصلي وأقرأ القرآن وأصوم، وعلى دراية بشعائر الإسلام وبكل ما يريده الله مني. فأنا إذن على معرفة به أكثر من أصحاب الديانات الأخرى…’
لا بأس، بإمكانك أن تعترف بينك وبين نفسك أنك قلت ما يشبه هذا الكلام سابقا فلا أحد سيعلم غيرك.

العمرة كما لم تسمع بها من قبل

حين كنت في السعودية لأداء العمرة، وأثناء قراءة القرآن أو في الصلاة والإمام يجود آيات القرآن بشكل يجعل دموعك تذرف حبا بهذا الكلام. كنت أتسائل: كيف يفهم كل هؤلاء المعتمرين كلام الله ولغاتهم مختلفة؟ حتى المصاحف الموجودة كان %90 باللغة العربية!
لحظتها جاءت النزعة الدينية لتقول: الحمد لله أن لغتي الأم هي اللغة العربية، وهي لغة القرآن وأفهم ما يقوله الإمام… لكني وأثناء الطواف حول الكعبة انتبهت لمئات الأشخاص، كل بلد من مختلف، ويتكلمون لغة مختلفة… يقومون بشيء واحد وهو الطواف حول الكعبة.

هل الطواف وجه من اوجه النزعة الدينية؟

مهما اختلفت حياتك، مهما كانت حركتك في كل الاتجاهات، لكن مركز هذه الحياة واحد وهو رب الكعبة.

انتبه جيدا الغاية الأساسية من الطواف 7 مرات هو التنظيف الكامل لك وبهذا تنتقل إلى السعي. أتحدث بالتفصيل لاحقا
ففي لحظة الانتباه هذه قلت في نفسي: الحمد لله على نعمة الاسلام، الحمد لله أني مسلمة وعلى فهمي للغة العربية.

لكن الإسلام الذي حمدت الله عليه لأكون صادقة كان الدين الإسلامي كما تعلمته في المدارس.
وهذا وجه آخر من أوجه النزعة الدينية، فمهما بدت طاهرة ظاهريا إلا أنها لم تكن كذلك مع الأسف.

النزعات الداخلية بين دخول النار أو الجنة

لأتفق معك أن خاطرتي هذه ليست خاطرة دينية، مع أنها تحمل هذا الطابع إلا أن نيتي فيها أن ننتقل من الأسلمة التعودية إلى الأسلمة الواعية.

ولكي نتدرج في هذا الانتقال سأشاركك بضع آيات قرآنية، تأمل فيها مصطلح الإسلام ومشتقاته واستوعب معي عمقه.

“فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ ۗ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ ۚ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا ۖ وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ”.

مهمتي هنا ليست اقناعك بنظريات جديدة عن الإسلام، وكيف أنه ليس مجرد شريعة. بل يتجاوزها ليكون داخل كل روح متصلة اتصالا عميقا بالله, وإنما دوري أن أدعوك للانتباه لكل النزعات الداخلية التي تبعدنا عن هذا الاتصال.

كنت مشاركة في حدث عالمي يجمع أكثر من 200000 شخص لدواعي العمل. واستلم أشخاص ناجحين ومؤثرين الحديث طيلة الأيام 3 للحدث، وكل منهم أبرز مدى تأثيره العميق في حياة الناس من حوله.
فلاحظت أنه بعد انتهاء كل متحدث من كلامه، شخص من زملائي العرب يقول: ‘لا ينقص هذا الشخص سوى أن يسلم وينطق الشهادتين…’.

فظل هذا الأمر عالقا في ذهني، ‘كيف نمنح لأنفسنا الحق باعتبار شخص آخر ناقصا من ناحية معينة؟’.
مع أن نيتنا هنا تكون صافية وكلها حب تجاه هذا الإنسان. لكن في عمق العمق هناك برمجة داخلية تقول لنا: أن من لم يكن دينه الإسلام فمهما كان عمله فهو معرض لدخول النار.

  • هل هذه البرمجة خاطئة؟ الله اعلم
  • هل هذه البرمجة صحيحة؟ الله اعلم

أنا فقط أدعوك للتأمل.

لماذا يجب أن تقرأ الكتب الروحانية؟

لم آخذ بعين الاعتبار هذه النزعات الدينية إلى أن دخلت إلى عالم الوعي. وخصوصا حين بدأت بقراءة الكتب الأجنبية ذات الطابع الروحاني.
شخصيا تعتبر الكتب الدينية في مكتبتي الخاصة قليلة. وأتذكر أن آخر كتاب اشتريته كان مدارج السالكين قبل عامين من الآن. ليس لأنها غير مهمة ولكن معظمها كان عصي الفهم والتطبيق، وأنه كان نوعا من تناقل كلام من شخص لآخر.

لم تكن بداية قرائتي للكتب ذات الطابع الروحاني لكتاب أجانب -بالعقلية القديمة غير مسلمين- عن اختيار مقصود وواعي. و لكن رغبتي في النمو الذاتي جعلتني انتقل من كتاب لآخر، من فيديو لآخر ومن دورة إلى أخرى…
أثناء هذا الانتقال سمعت عن شخصيات كثيرة كان لها الأثر البالغ في تغيير البشرية للمنحى الإيجابي.
فكنت محظوظة لعدم تجاهل سماعي بتلك الشخصيات، وبحثت عن واحدة منها كان من السهل نوعا ما الإطلاع على ما قدمه للبشرية من ابداع وعلم.

وأنا أقرأ في كتب هذا الإنسان العظيم لأول مرة، وأشاهد ما استطعت الحصول عليه من تسجيلات له. تساءلت بوعيي القديم: كيف لم يهدى هذا الإنسان إلى الإسلام بعد كل ما قدمه للبشرية؟

وهنا الآن وأنا أكتب هذا السؤال تذكرت قصة عم الرسول صلى الله عليه وسلم أبو طالب. وكيف أنه لم يقم بالشهادة و الدروس التي أخذناها من هذه القصة، وكيف أن الله لم يقم بهدايته مهما كان مستوى ما قدمه.
خصوصا بالنسبة للأشخاص الذين يستدلون بالآية “إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ“.

مع أن الظاهر من هذه الآية أن الله لم يقم بهداية عم الرسول، لكن الأحق و الأصوب والأجدر بالفهم أن الله قال: “وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ”. ومن يشاء هذه تعود على الإنسان نفسه، أي على عم الرسول.
انتبه جيدا كل المشيئات الموجودة تنبثق من المشيئة الإلهية الواحدة “وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ“.

أفضل هدية لروحك هي أن تطورها بضغطة زر واحدة

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

الفطرة الدينية: بوابة نحو التدبر

بالعودة إلى قصة الكاتب الذي تعرفت عليه بعد، فترة وأنا أعيد قراءة أحد كتبه بكيت على نفسي. لأني أنا التي كنت امتلأ بنزعتي الدينية، لم افهم الله ولا تعاليمه وكيف وضعها في هذا الكون العظيم كما فهمه هذا الإنسان الأجنبي!

أعلم أن الأمر عصي عن الشرح، لكن بالنسبة لي الأمر -ليس تشبيها، فقط لشرح الحالة- كان كأن تمتلك يدين تستخدمهما فقط للأكل والشرب، إلى أن رأيت شخصا آخر يستخدم يديه للرسم و النحت وغيره… فتتحسر على السنوات التي مضت وأنت تظن أن يديك هي فقط تقوم بعمل أو عملين محددين!

انتبه جيدا أنا لا أدعوك للإيمان بكل ما تقرأه ولكن أدعوك للانفتاح على كل ما تقرأه.

الأمر أكبر ما يكون عن أخذ الدين كفطرة وتحويل شعائره إلى عادات. وإنما هو هبة منحت لك القطرة الأولى منها لكي تعمق البحث فيها وتستثمرها وتعيش بها كل حياتك اليومية.

  • أن تعلم أن هذا الدين الذي تحمله ليس اسما يوضع على بطاقتك، وإنما هو باب فتح لك من عند الله ويكفي أن تخطو أولى الخطوات في اتجاه إسقاط تعاليمه على حياتك.
  • أن تعلم أن القرآن الذي تقرأه ليس فقط لكسب الحسنات، وإنما هو تعاليم إن طبقتها تعرفت على نسختك الأصلية والحقيقية.

“وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ”.

قد تسألني: ولكن يا زهرة أولئك الأشخاص الذين يكتبون عن الروحانية وهم لم يقرأوا القرآن فكيف هذا؟

سأجيبك أنهم وصلوا للروحانية بتعرفهم على الكون كمنظومة لم يكن ليستمر إلا بوجود قائد عظيم له.
فكلما اقتربوا من فهم قوانين هذا الكون اقتربوا من الله. ولكي أختصر عليك كثيرا من الوقت، إن كنت مهتما بمجال التنمية والوعي، فأنا أدعوك للاطلاع على القوانين الكونية كونها هي التوجيهات الموجهة لحياة الإنسان.

ومع أننا مسلمين إلا أن جزءا كبيرا منا اطلع على معظم العلوم المتقدمة من مصادر أجنبية. وهي بالفعل غصة كبيرة في القلب حين تقرأ معلومة مهمة من هذه المصادر تم بعد مدة تكتشف أنها كانت مذكورة في القرآن والسيرة لكنك لم تنتبه!

انتبه جيدا ضرر البرمجيات الدينية أنها تحجب عنك القيمة المهمة للتفكر والتدبر في الدين.

كيف تصل للحياة الطيبة؟

إحدى أحب المقالات إلي كانت بعنوان ‘عش التضاد‘، وتحدث فيها الكاتب عن كون الأشياء من حولنا تقبل وجود نقيض لها. فالجميل فيه من القبح، ويضم القوي بداخله ضعفا… استوعبت “الأمر بداية من منظور الوعي. لكن بعد مدة علمت أن قانون التضاد لم يكن بعيدا عن ما أقرأه في القرآن حيث يقول الله، “وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ

  • عالم الأمر # عالم الخلق
  • الباطن # الظاهر
  • الذكر # الانثى
  • الليل # النهار
  • النقطة المفاجئة أن هذه المتضادات كل واحدة منها هي ضمن الأخرى، وما يظهر منها هو حسب استحقاقك.

سؤالي الآن: أليس من الافضل لنا نحن كأشخاص منفردين أن نتدبر القرآن ونستخرج منه القوانين التي نعيش بها الحياة الطيبة؟

في نهاية هذه الخاطرة أرجو أن تكون استفدت واستمتعت مع هذه الغايات الأساسية:

  1. انفتاح عقلك وقلبك لتستوعب علوم جديدة كيفما كانت ثم تختار الأنسب لك لتصدقه.
  2. انتزاع أي نزعة دينية معينة قد تعطي بها الأفضلية لنفسك بسبب دين أو لغة او كتاب.
  3. الابتعاد عن الأحكام المسبقة على الأشخاص بسبب انتماءاتهم الدينية أو الاجتماعية…

سأكتب مستقبلا مرة أخرى عن هذا الموضوع. لكن باستفاضة أكثر وأمثلة حية من معلومات تعلمتها من شخصيات – مستنيرة روحيا – وكان لها الفضل الأكبر لما وصلت إليه البشرية اليوم.

إن كنت مهتما بالمزيد حول النزعة الدينية أو أي نزعة داخلية أخبرنا في التعليقات👇🏻

هذا رأيي، والرأي ظنّ، و الظن لا يُغني من الحق شيئا. أنت ابحث و تبَيَّنِ الحق.

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

2 تعليقات
  1. بثينة اليوسف يقول

    مقالة عميقة يا زهرة جعلتني اتفكر في نزعتي الدينية و كيف تؤثر على تفكيري و انطباعاتي عن البشر من حولي، بالرغم من اني اعتبر نفسي متفتحة عقلياً و روحياً لكل ماهو مخالف لي و لمعتقداتي، قد لا اتفق و لكن اتقبل الاختلاف.

    هل لك ان تشاركينا عنوان الكتاب الروحي الذي ابكاك؟

    مع خالص محبتي
    بثينة

    1. Zahra يقول

      شكرا عزيزتي بثينة على تجاوبك مع الموضوع. وبالفعل لازلنا نحاول التخلص من هذه النزعة.

      بالنسبة للكتاب فهو للكاتب واين داير بعنوان غير افكارك غير حياتك لكن قد تجدين العنوان تغير من دار نشر لاخرى,

      بالتوفيق لك عزيزتي

شاركني رأيك

%d مدونون معجبون بهذه: