لماذا نؤجل كل شيء؟ عن اختصار الحياة قبل أن تُرهقنا التفاصيل

لا يعيش الجميع شعور التوازن الزمني في الحياة.

شخص يشعر أنه متقدّم، يُحقّق الهدف بمجرد أن يسعى له، أما الآخر، فهو متأخر، لا أهداف مُنجزة، ولا علاقات سعيدة، ولا سعي مُحقق!

تتعدد الأسباب، وليس الحديث هنا عن كيفية تحقيق الأهداف، وإنما عن اختصار الوقت/الحياة.

موقف صغير… ومعنى كبير

لنفهم الموضوع بشكل مبسط وواضح…

قبل أن أذهب لموعدي لدى الطبيبة، قلت في نفسي: “عليّ أن أسألها عن المسألة الفلانية”. وصلت، جلست في قاعة الانتظار لـ9 دقائق، ثم دخلت. سألتني الطبيبة الأسئلة المعتادة: كيف حالك؟ أية آلام؟ ثم باشرت عملها… أنهت ما عليها، أخبرتني بما أنجزناه، والخطوة القادمة، ومتى أعود.

ثم خرجت من العيادة!

أول شيء قلته في ذهني: آه! لا بأس، سأسألها المرة القادمة!
ليس لأني نسيت… لا!

الغريب أنني منذ لحظة دخولي وأنا أفكر في تلك المسألة، “سأقولها الآن… لا، لتنتهي من عملها أولاً… الآن؟ لا، من بعد…”

وانتهى الموعد… والسؤال لم يُسأل. عليّ الآن انتظار أسبوع كامل لأسألها في لقائنا القادم!

كم مرة نُؤجل بلا داعٍ؟

هذا الموقف جعلني أتساءل:

كم عمل؟ مهمة؟ حوار؟ سؤال؟ هدف؟ اتصال؟
نُؤجله لليوم الموالي، وللّحظة التالية، بدل أن نختصر الوقت ونقوم به الآن؟ ونفعله الآن؟!

اختصار الزمن، أو “مختصر الحياة”… تختلف المسميات والمعنى واحد.
وقد طبّقت هذه الفكرة سابقًا، وقرأت عنها، لكن… حليمة عادت لعادتها القديمة!

ذلك الشعور بأن هناك شيئًا يجب أن يُنفّذ وأنت تؤخّره، بدل أن تنجزه الآن وتختصر على نفسك القلق والانشغال الذهني… مرهق ومتعب.

اختصار الحياة ≠ التسويف

أنا لا أتحدث هنا عن التسويف أو المماطلة، رغم أن الفكرة تتقاطع معهما.
الفرق هو أن الغاية هنا ليست الهروب، بل الاختصار.

أن تختصر على نفسك شعور الانتظار: “لِمَن شاء منكم أن يتقدّم أو يتأخّر”

قرارات تُرهقنا بلا داعٍ

يأتيك عرض عمل، أو فرصة تدريبية لستة أشهر في شركة ما.

تفكّر: هل أوافق أم أرفض؟

تتساءل:

  • لو وافقت، كيف سيكون الوضع بعد ستة أشهر؟
  • ما الذي سأتعلمه؟
  • وإن لم أوافق، ما الذي سأخسره؟
  • هل سأندم؟ هل سأجد فرصة أخرى؟

بدل أن تبقى في هذه الدوامة لأيام طويلة… اختصر؛ وافق أو ارفض، ثم انتقل للشيء التالي.

صحيح، يبدو الأمر سهلًا وأنا أكتبه، وكيف لا وأنا من طبّقتُهُ غَفِلتُ عنه الآن؟

الاختصار يحتاج شجاعة

يتطلب اختصار الوقت والحياة شجاعةً واضحة، وتخفيفا للتوقعات، خاصة إن كان هناك طرف آخر في مسألتك.

مثال:

أشتغل مع شخص حدّد موعدًا لإنهاء عمل أو لعقد اجتماع. حين يقترب الموعد، أقول: “هل أرسل له تذكيرًا؟ ماذا لو كان مشغولًا؟”

لكني أنا الآن من يَنتظر، أو بتعبير أدق، أنا مُعلَّقة! هل أنتظر حضوره أو أنتقل لمهمة أخرى؟!

شعور أنك معلق في انتظار شخص ما، أو شيء ما… هو نتيجة عدم الاختصار! وما بينهما مؤلم ومنهك لك.

الصراحة تختصر المشاعر

تعرفتَ على شخص على أمل أن يكون صديقًا. التقيتما مرة واثنتين، ثم شعرت أنه غير مناسب.

هو لا يزال يراسلك، يسأل عنك، يطلب اللقاء.

وأنت كل مرة تقول لنفسك: هل أخبره الآن أني لست مرتاحًا؟ دعني لا أُجب الآن… بعد قليل…

لكن هل ذهنك مرتاح؟
بعد دقائق، ستتذكّر الرسالة، وتفكّر في الرد، والرد نفسه يصبح عالقًا فيك.

لماذا لا تختصر؟

لماذا لا تقول ما تشعر به، بصراحة وهدوء، الآن؟

قد تقول: “أتجاهله!”
لكن هذا ليس اختصارًا… بل تأجيل لقرار داخلي، وهذا عبء نفسي إضافي.

مثال بسيط… لكنه شائع

يوم الخميس، أرسل لك شخص رسالة يدعوك لشرب كوب القهوة يوم الأحد.
أنت لا ترغب في اللقاء، وقلت لنفسك: “سأتجاهل، أو أعتذر يوم السبت.”

هل وفّرت على نفسك شيئًا؟
لا. لأن عقلك ظلّ يعمل على هذه الرسالة طوال يومي الجمعة والسبت!

بينما كان بإمكانك إنهاء الأمر في لحظة واحدة: “شكرًا لك، لا يناسبني اللقاء حاليا.” وانتهى الأمر.

اختصر لتتوسّع

هناك مثل مغربي يقول: “لي نطّولوه نقصروه!” وياليتنا نُطبّقه.

أن تختصر على نفسك وتطرح السؤال الذي في ذهنك، أو توافق على العرض، أو تعتذر، أو تتّصل، أو تطلب ما تحتاجه…

الآن، لا لاحقًا:

يعني أنك توسّعت باتجاه جديد.
يعني أنك أعطيت لنفسك فرصة أن تنتقل خطوة للأمام… أن يتوافق سعيك الذهني، المشاعري، الجسدي… مع واقعك.

والآن، إليك السؤال:

ما الشيء الذي لم تختصره حتى الآن… وكان يمكن إنهاؤه في 5 دقائق؟
أكتب لي، أو اكتبه لنفسك، ثم افعله… الآن.

اختصار الحياةالتأجيلالتسويفحكمتي اليوم
التعليقات (5)
شارك بتعليقك
  • AHMAD AL HAMDI

    “الاختصار يحتاج شجاعة” = هي شجاعة(=ومهارة) اتخاذ القرارات الصغيرة أولاً.

    • كاتبة محتوى

      فعلا أستاذ أحمد، الشجاعة هي مهارة تُكتسب وهذا خبر مفرح ههه! من لم يولد شجاعا يستطيع أن يتعلم! في رأيك، ما هي أول خطوة في اتخاذ القرارات؟ وشكرا على تعليقك