كتاب: التخلف الاجتماعي مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور
- الكاتب: مصطفى حجازي
- الفئة: الفلسفة و المنطق
- عدد الصفحات: 257 صفحة
- عدد اقسام الكتاب: اثنان
- اللغة الأصلية: العربية
ولد الكاتب مصطفى حجازي سنة 1936 في لبنان، وصدر له كتاب التخلف الاجتماعي سيكولوجية الإنسان المقهور سنة 1976.
للدكتور مصطفى حجازي عدة مؤلفات من بينها الإنسان المهدور وإطلاق طاقة الحياة، حيث تشكل هذه الكتب الثلاثة مجموعة متكاملة للمطالعة.
في كتاب التخلف الاجتماعي مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور ، قام الكاتب بتحليل نفسي واجتماعي للإنسان المقهور في البلدان المتخلفة موضحا الوضعية التي يعيشها داخلها.
ينقسم الكتاب الى قسمين رئيسيين، وكل قسم يتكون من فصول مختلفة:
-
الملامح النفسية للوجود المتخلف.
-
الوسائل الدفاعية.
في الفصل الأخير من القسم الثاني من الكتاب يستعرض الكاتب وضعية المرأة و الوسائل الدفاعية التي تستخدمها لمواجهة القهر الذي تعاني منه.
في الجزء الأخير، أغنى الكاتب مصطفى حجازي كتابه بمجموعة من المفاهيم المذكورة و شروحاتها لتبسيط الفهم على القارئ.
بدأ الكاتب كتابه بعرض عدد من الدراسات التي تناولت مسالة التخلف، ولكن في نظره هذه المنظورات الفكرية و العلمية لم تولي الإهتمام إلى الدراسة النفسية لهذا الإنسان المتخلف، باعتباره عنصرا أساسيا ومحوريا في أي خطة تنموية.
اعتقدت الدول المتقدمة أن الدول الأقل منها تقدما ستنهج نفس استراتيجياتها ودينامياتها في تحريك شعوبها ولكنهم اخطئوا في نظريتهم.
فمن وجهة نظر الكاتب؛ اعتقاد هذه الدول المتقدمة أن وجود رؤوس الأموال الكافية و الأطر الفنية الملائمة إلى جانب الإدارة التقنية كفيل بالإنطلاق في دروب التنمية كان خاطئا منذ البداية، و أصبح ظاهرا وجلِيا ضرورة دراسة الإنسان المتخلف من الناحية النفسية.
البلدان النامية تختلف عن بقية بلدان العالم، لذلك لابد لها من وضع سيكولوجية خاصة بالتخلف من منظور نفساني يواكب البُنى الاجتماعية والاقتصادية حتى تكتمل الصورة.
المنظور النفساني للتخلف:
يحاول الكاتب و الدكتور مصطفى حجازي توضيح هذا المنظور لنا بتعريفه للتخلف نفسيا على أنه أسلوب حياتي ينبت في كل حركة و تصرف و ميل و توجه وفي ك معيار أو قيمة. كما أنه نمط من الوجود لديه خرافاته و أساطيره و معاييره التي يحدد بها الإنسان موقفه من الوجود و نظرته إلى ذاته وهدفه من الحياة.
إذن التخلف هو:
- إنتماء و نشاط ضمن مجموعة مختلفة من الجماعات.
- أسلوب من العلاقات.
- موقف من العالم المادي و البنى الاجتماعية والعلاقات التي يربطها هذا الإنسان مع الآخرين.
يقول الكاتب مصطفى حجازي أن التخلف يظهر أيضا على المستوى الذهني، حيث يشكل مجموعة من العقد التي تميز هذا الوجود المتخلف. ويكون هذا الأخير غير محتمل؛ إذ يولد ألما من عدم التوازن النفسي التي تدفع بالإنسان المتخلف إلى البحث عن وسائل دفاعية ضد هذا الألم و خطر اختلال توازنه، تفاديا للتواجد في وضعية القهر و التسلط.
وهذه الوسائل الدفاعية هي التي يوضحها لنا الكاتب و أناقشها معكم.
عالم الضرورة؛ يقول فيه الإنسان المتخلف: ‘أنا عاجز’. هو العالم الذي يتعرض فيه الإنسان للتهديد، ويبقى فيه عاجزا أمام هذا العالم، يحارب فيه غزو المرض و سيطرة الأمية و الجهل و قسوة الطبيعة، فيبقى بلا حماية ولا سلاح ليتصدى لكل هذا.
يحارب الإنسان المتخلف سوء التغذية؛ فقدان العمل؛ صعوبة المأوى؛ فلا يعرف بعد كل هذا أين سينتهي به المطاف فيسأل نفسه:
هل أنا الضحية القادمة؟ ومتى هذا؟ و كيف سيكون؟
عالم القهر والتسلط؛ يقول فيه القوي: ‘أنا سي السيد‘. هو العالم الذي تسود فيه سيطرة القوي على الضعيف، و يكون فيه هذا الأخير مجرد تابع و راضخ للأوامر.
نجد هذا التسلط متسلسلا من قمة الهرم إلى أسفله:
- من الحاكم على مرؤوسيه.
- من المرؤوسين إلى الأقل منهم رتبة.
- من الرجل إلى المرأة.
- من الكبار إلى الصغار.
بقدر ما تتضخم ‘أنا السي السيد’، بقدر ما تنعدم الروابط الإنسانية ويتحكم التسلط.
يضرب الكاتب هنا أمثلة لهذا العالم في الحياة اليومية:
- في ميدان العلم حيث يكون المعلم هو المسيطر و الطالب هو الخاضع للأوامر.
- بين الحيوانات و الجمادات و سيطرة الانسان عليها.
- في داخل البلدان النامية بين علاقة الرجل و المرأة، و بين الأم و أبنائها بكل ما يتميز به من حرارة عاطفية إلا أنه يغلب عليه حب التملك.
صراعات السيطرة و القهر لا تقتصر فقط على الدول النامية. وإنما أيضا دول المقدمة التي وصلت إلى قمة التقدم التقني والصناعي لازال فيها الإنسان وسيلة للإنتاج و الإستهلاك، رغم تخلصه من عالم الضرورة و امتلاكه لما يسمى ضروريات الحياة و التي وُفِّرَت له فقط لضمان استمرارية انتاجه.
- التخلف الاجتماعي بالمنظور النفسي العريض يتجاوز التكنولوجيا و الإنتاج و يتمحور حول قيمة الإنسان البشرية.
كل هدر للحياة الإنسانية و الكرامة البشرية أو تحويلها إلى أداة فهو تخلّف.
إذن سيكولوجية التخلف هي سيكولوجية الإنسان المقهور أو المُشَيَّءْ.
يبرز معيار التخلف في الفئات الأقل حظا في المجتمع، وعلى المستوى العالمي بين المجتمعات. حيث يختل التوازن بين السيد و الإنسان المقهور في هذه العوالم اللاديموقراطية.
و قد يصل هذا الاختلال بالإنسان إلى أن يصبح شيئا لا قيمة له بدل أن تكون العلاقة بيننا هي علاقة إنسانية بين أنا و أنت تملأها المساواة و الإعتراف بوجود الآخر.
يخبرنا الكاتب مصطفى حجازي أن الوضعية التي يعيشها الإنسان المقهور تؤدي إلى ظهور مجموعة من العقد التي تميزه و أهمها عقدة النقص وعقدة العار.
هذه العقد تجعل من هذا الإنسان اتكاليا و مستسلما للطغيان و للخرافة التي تسيطر على تفكيره، منتظرا المنقذ الساحر الذي سينتشِله من وضعيته.
عقدة النقص:
تتميز بالمشاعر الدونية التي تجعل هذا الإنسان المقهور مفتقرا الإحساس بالقوة و القدرة على المجابهة، ليجد نفسه دائما في وضعية المغلوب على أمره؛ المستسلم؛ المنسحب؛ المتجنب؛ المنعدم الثقة بالنفس.
عقدة النقص تجعل الخوف يتحكم في الإنسان المقهور.
- الخوف من السلطة.
- الخوف من قوى الطبيعة.
- الخوف من المواجهة.
- الخوف من شر الآخر.
- …الخوف من كل شيء.
إذن، هذه العقدة تجعل الإنسان يتجنب كل ما هو جديد و كل وضع غير مألوف. كلما خرج من دائرة ارتياحه الضيقة يحس بغربة شديدة فيبقى ساكنا في مكانه؛ متجمدا!
كل جديد في محيطه يثير قلقه و يبعده عن أمانه متجنبا أية تجربة جديدة، بل ويتشبث بما هو تقليدي و مالوف لديه.
لتتجلى عقدة النقص فيه كلما صادف أي تطور تكنولوجي وعلمي معتبرا إياه شيئا سحريا غير متناسب مع وضعيته.
عقدة العار:
هي تتمة لعقدة النقص لدى الإنسان المقهور و تتجلى في حساسيته لكل ما يهدد المظهر الخارجي الذي يقدم من خلاله نفسه للآخر.
هذا الإنسان المقهور خجِل من ذاته؛ دائم الدفاع عن نفسه حتى لا يفضح عجزه و بؤسه؛ هاجسه الأول هو السترة.
أغلب التصرفات الإستعراضية الشائعة في الدول النامية هدفها الرئيسي هو الستر على عقدة العار. خصوصا الاستعراض الاستهلاكي، الذي يجمع كل من أشكال الإدعاء و التبجح و خداع الآخرين بالمال و الجاه و الحُضوَة التي لا أساس لها في الواقع.
عقدة العار ليست حقيقةً مقتصرةً فقط على الفئات المقهورة، بل في عامة المجتمع وبين الأشخاص الأوفر حظا. حيث تتجلى لديهم هذه العقدة حين يكون الواقف أمامهم أجنبيا أو مستعمرا سابقا، إذ يعتبرونه متفوًِقا و نموذجا للرقي.
ينتقل الإنسان المقهور بعد مروره من مرحلة القهر و الرضوخ إلى مرحلة الإضطهاد، التي يُسقط فيها مشاعر الذنب و التَّبْخيس الذاتي على الآخر.
هذا الإسقاط المباشر ليس على المتسلط، و إنما على شبيهه في القهر. لتأخذ هذه العدوانية المتراكمة لديه طابع الحقد المُتشَفِّي بهدف تحطيم الصورة الذاتية المقهورة لديه.
أما من جهة المتسلط، فالإنسان المقهور يختار العدوانية الغير مباشرة، و المقتصرة على التغييرات الرمزية واللفظية فقط متجنبا أية مواجهة مباشرة.
مرحلة الاضطهاد تستنزف طاقة الإنسان المقهور، حيث يعيش فيها حالة دائمة من توقع الخطر التي لا تسمح له بالارتياح. ليجد نفسه في دائرة الغضب والعدوانية مع أشخاص اعتبرهم أعداءه الحقيقيين و لكنهم بالأحرى من نفس فئته، تعيش نفْس حالته و قهره. و الجامع بينهم وجب أن يكون عطفا تجاذبيا بدل العدوانية المباشرة.
لتبقى علاقات الإنسان المقهور في دوامة الاضطهاد المحض و التعاطف الخالص.
لهذا فالحل الاضطهادي لا يجدي نفعا مما يجعله يبحث عن حل آخر.
فما هو الحل للخروج من هذا القهر؟
التمرد، هذا هو الحل الذي اختاره الإنسان المقهور ليكون وسيلة لكسر كل القواعد التي هدمت حياته و يصبح التمادي و تقليد المتسلط من أدوات تمرده.
التسلح، حمل السلاح بدون سياسة ثقافية كافية تجعل الإنسان المقهور يعيد لعب دور المتسلط على تابعيه ممن هم أقل منه قهرا فيحكمهم بطشا و عدوانا.
يحلل الكاتب عقلية الفقير المتخلف و يخبرنا أن أهم الملامح الذهنية للتخلف هي:
اضطراب منهجية التفكير:
تتجلى في سوء التنظيم الذهني للتصدي للواقع. حيث يتعامل الإنسان المتخلف مع واقعه بدون خطة مسبقة. ليعيش في العشوائية و التخبط و المحاولة مع مشاعر الغموض والحيرة التي تجعله يتجه الى التمني السحري للخروج من هذه الوضعية.
من سمات العقليات المتخلفة انعدام الدقة و الضبط والبقاء في جو التراخي و التساهل و الاستهتار.
يدفع عجز المتخلف للتصدي لمشاكل واقعه بشكل عقلاني إلى الخرافة و السحر. فحين يضعف التحليل العقلاني والموضوعي للأزمات الحياتية؛ يلجأ هذا الإنسان المتخلف إلى مزج واقعه مع خياله متغاضيا عن الحقائق المادية و متشبتا بالقوى الغيبية؛ مثل الجن و الشياطين و الحسد و السحر… وكلما زاد العجز زادت الخرافة.
ليس من المستغرب أن عالم الخرافة أكثر انتشارا لدى نساء العالم المتدني و الذي وجدن فيه منهجا لمواجهة قهر بلدانهن. و الأمر ليس عند هذا الحد فقط وإنما جعلن منه منهجا تربويا لأطفالهن ليتشبع الصغار بالخرافة ويتخذونها بدورهم وسيلة لمواجهة الصعاب عند الكبر.
كلما مر الإنسان المقهور من مراحل القهر و التسلط و الرضخ يختل لديه الوجود النفسي و الوجودي و تصبح حياته صعبة العيش بمشاعر الدونية التي اكتسبها.
الحيرة؛ فقدان القيمة؛ غياب تحقيق الذات؛ كل هذه الأمور تنمي لدى الإنسان المقهور الحاجة الماسة لحلول مغايرة.
من بين هذه الحلول التي لاحت في الأفق: الانكفاء الذاتي، التقوقع و الانسحاب بدل مواجهة التحديات كردود أفعال على تجارب الفشل السابقة لديه، مما يولد داخله الشعور بالعجز أمام أي تجربة جديدة.
شارك الكاتب في هذه الناحية مثالين:
الأول: الطالب العاجز عن إثبات نفسه في الدراسة ليتجه إلى الانزواء.
الثاني: العاشق الفاشل الذي يقمع حبه ويَبخس محبوبه.
كل هذه المشاعر و القرارات الداخلية تجعل الإنسان المقهور يحد من طموحاته و لا يضع أية أهداف كبيرةً كانت أو حتى صغيرة حتى ينعم بإحساس الإنجاز، ويصبح راضيا بمصيره البائس قائلا: هذا قدر الله؛ هذا هو المكتوب!
الخطوة الوحيدة التي يلجأ إليها الإنسان المقهور غالبا هي الانتماء إلى جماعات معينة رغبة في الحماية و التأمين من أخطار عالم الطبيعة وعالم التسلط.
هذه الجماعات في نظره هي ضمان الغد، كلما احتاج للسند أو لتحقيق التوازن النفسي.
إلا أن هذا التوجه على المدى الطويل لن يكون حلا للإنسان المقهور. اذ يتعارض مع مصالحه و لا يحدث أي تغيير ملموس على حياته هو بالذات، خصوصا إذا ارتدى هذا الشخص المقهور عباءة المتسلط الشبيه داخل هذه الجماعات.
“لا يمكن للمجتمع أن يرتقي إلا بتحرر الإنسان المقهور من الجهل و الأمية و التسلط”.