كيف تستفيد مما تقرأ ؟

خطوات عملية لتتعلم كيف تستفيد مما تقرأ

مع بداية كل عام نسمع عن تحدي القراءة، و ينتشر #هاشتاغ تحدي قراءة 24 كتاب أو أكثر في العام الواحد. أغلبنا إن لم يكن كلنا نعجب بالأشخاص من حولنا الذين تفوقوا و أتموا تحدي العام الفارط بقراءة عدد محدد من الكتب، و الذي يكون عادة رقما كبيرا.
لا أخفيك؛ في كل عام أضع لنفسي هذا التحدي 20، 24 كتاب… هل أتممته في عام ما؟
ما دامت المصداقية هي شعاري في حكمتي، فجوابي هو: لا. لم أنه تحدي القراءة ولا مرة. لماذا في نظرك؟ و هل شاركت فيه أنت؟ أو رغبت في المشاركة فيه يوما؟ أخبرني في التعليقات.

تحدي قراءة جديد، كتب جديدة، عناوين جديدة، مجالات جديدة…
لكن ما الذي فعلته بالقديم يا زهرة؟! هذا كان سؤالي لنفسي مع حلول العام الجديد.

نظرت في رف الكتب لدي – يحتاج للتنظيف – أخذت في ترتيب الكتب و مسح الغبار عن بعضها الذي بالكاد تذكرت أنها لدي.
كتب مر عليها عام أو أكثر و لم أبدأ بقراءتها بعد. وأخرى قرأت فيها فصلا أو اثنين و توقفت رغم أني أتذكر شرائي لها لغاية ما. واخرى قرأتها و أنهيتها لكني نسيت ما قرأته باستثناء فكرة أو اثنتين يكون الكاتب عادة طرحها بشكل مثير يجعل تذكرها أمرا سهلا. و أنا أعيد ترتيب مكتبتي، أخذت مذكرتي التي كنت أدون فيها ملاحظاتي مما أقرأه. و العجيب أن ما دونته هو نفسه ما أتذكره من كتبي.

• المختصر المفيد: ما قرأتُه وفهمتُه فكتبتُه، تذكرتُه و استفدت منه.

قررت حينها بدل الاهتمام بالمشاركة في تحدي القراءة، سأركز على الاستفادة من مضمون الكتب التي اقرأها و ليس عددها. ووضعت في ذهني احتمالية أن اقرأ كتابا واحدا في شهر أو شهرين. – لأني أحب قراءة عدة كتب في آن واحد –

ليصبح السؤال الرئيسي هو:

شاهد بحب 💚

كيف تستفيد مما تقرأ ؟

لكل منا طقوسه الخاصة أثناء القراءة و المطالعة، و كم أحب مشاهدة صور أصدقائي و هم يستمتعون صحبة كتابهم.

 أعز مكان في الدنى سرج سابح وخير جليس في الأنام كتاب.
– أبو الطيب المتنبي

قد لا أكون حتى الآن ضمن هذه الفئة المميزة التي يستهوينا متابعتها. لأني عادة ما أقرأ كلما أردت، و هذه الإرادة لا تستلزم طقوسا خاصة. لكنني سأشاركك الصورة الأمثل.

طقوس القراءة:

هناك طقوس أخرى أشاركها معكم مستقبلا. أما أنت ما هي طقوسك؟ شاركها معنا في التعليقات .

لماذا لا تستفيد مما تقرأه؟

من الإشكالات التي تصاحب دوما اكتساب عادة القراءة هو عدم تذكر أي شيء مما قرأته. أو الأصح أنك لا تستفيد مما تقرأه!
ذات يوم ذهبت أنا و صديقتي إلى المكتبة و سألتني عن كتاب اللامبالاة إن كنت قرأته، و هل هو جيد؟ أجبتها: “نعم إنه كتاب سلس، سهل القراءة و لا يتطلب جهدا فكريا”. فأخذته.
مر أسبوعين و التقينا. كنا في انتظار انتهاء بعض المعاملات، فأخذت كتابا من حقيبتي.
سألت صديقتي: “هل أحضرت كتابا معك؟”
صديقتي: “لا، لم أحضره”.
انا: “لماذا؛ هل أنهيت كتاب اللامبالاة؟”
صديقتي: “ليس بعد، بدأت بقراءته و كل مرة أعود لاستكماله أكون نسيت ما قرأته من قبل.”
انا: “و من أخبرك أنه يجب تذكر كل ما قرأته حتى تنهي كتابك؟!”

اعتقد أنه من المعيقات التي تجعلك لا تقرأ هو ظنك أنك ملزم بتذكر كل ما تقرأه و أن تصبح عارفا بمعظم أفكار الكتاب. لكن الأصح هو الاستمرار في المطالعة فقط  كبداية. خصوصا لمن يريد اكتساب عادة القراءة وليس ان تتسائل في كل مرة كيف تستفيد مما تقرأ .

لقد شاركتكم 3 قواعد رئيسية لمعرفة كيف تختار الكتاب المناسب لك. لأن اختيار الكتاب الجيد يسبق رغبتك في الاستفادة مما تطالعه.
حين اخبرتك أعلاه انه ليس من المفترض أن تستفيد من كل ما تقرأه، ليس لكي تبدأ بتقليب الصفحات دون فائدة  ❌، و لكن لكي تركز هدفك من القراءة.

– انتبه جيدا في كل مرة تنهي كتابا لكن تجد نفسك لم تستفد شيء فالعيب ليس في الكتاب –

تحقيق طموح معين، بدء مشروع جديد، بداية فصل دراسي… كلها أهداف محددة تستوجب وضع خطوات مدروسة لضمان نجاحها. و هكذا القراءة!
القراءة هي هدف محدد و الاستفادة مما تقرأه غايتك من هذا الهدف. و لتحقيقها تلزمك خارطة طريق و هي الخطوات العملية.

يبدأ الإنسان طريق المعرفة بقراءة الكتب ثم يرتقى فيقرأ الناس ثم يرتقى فيقرأ الحياة ثم يرتقى فيقرأ الموت.
– ثروت الخرباوي

1- هل القراءة هدفك الشخصي؟

في أغلب لوائح الأهداف إن لم يكن كلها نجد القراءة و الرياضة متلازمتان دوما. لكن الحقيقة أن قلة من هؤلاء هم فعلا من يلتزمون بهذين الهدفين. ليس لأن الفئة الأخرى لا تريد أن تتثقف و تملك صحة جيدة، و لكن لأن هذه الغايات ليست رئيسية لديها.

• إن أردت أن تستفيد مما تقرأ عليك أن تتأكد أولا أنك فعلا تريد أن تقرأ و ليس لأنك تتبع الوعي الجمعي.

2- ما هي غايتك من القراءة؟

في اولى مقالات الوعي و التنمية: لماذا نقرأ؟ اخبرتك عن أهم الأسباب التي تجعلنا نقرأ. أدعوك أن تعيد قرائتها و تختار السبب الذي سيجعلك تبدأ بمطالعة الكتب.

تأكد أنه ليس من الصعب أن تكتسب عادة المطالعة، و لكن ما أريده منك هو معرفة السبب وراء رغبتك في استثمار وقتك في مطالعة الكتب.
فإن كنت طالبا ستقرأ لكي تنجح في دراستك، و إن كنت صاحب مشروع ستقرأ لإنجاح مشروعك و هكذا…

• إن اردت أن تستفيد مما تقرأ عليك أن تركز على مرحلتك التي تعيشها الآن لكي تقرأ ما يناسبها وليس ما قبلها أو ما يتجاوزها.

3- هل كل الكتب صالحة للقراءة؟

إن كنت قارئا ماهرا فنعم، في كل كتاب معروض فائدة مفقودة في حياتك!
أما في بداية مشوارك مع الكتب؛ لا ليست كل الكتب صالحة لك. لأنك ستضيع و أنت تحاول تصفح كل المؤلفات.
بإمكانك التركيز على اختيار الكتب الملائمة لك عبر ثلاث مراحل: الكتب التي

•  تحبها.
• تحتاجها.
•  تتجاهلها.

• إن أردت أن ترتفع نسبة استفادتك مما تقرأ عليك اختيار الكتاب المناسب لك.

4- ما هو أفضل وقت للقراءة؟

كإجابة على هذا السؤال، ينقسم القراء إلى فئتين أساسيتين.
الفئة الأولى: تنصح بالقراءة في ساعات الصباح الاولى قبل مباشرة أي عمل، هكذا يكون ذهنك صافيا.
الفئة الثانية: تفضل القراءة قبل النوم، يعني الساعة الاخيرة في اليوم حيث لا تضطر إلى تعجيل جلستك مع الكتاب.

بإمكانك طبعا الانتماء إلى إحدى الفئتين و اختيار ساعة الصباح أو ساعة المساء للمطالعة.
في نظري اقترح عليك أن تحدد وقت القراءة بعد اختيارك للكتاب. لأن لكل كتاب وقته. و حتى تزيد من درجة استيعابك للكتاب اختر وقتا مناسبا له.
مثلا، إن كنت تطالع كتابا علميا – يناقش فكرة علمية أو مكتوب بنهج عملي – يحتاج للتفكر و التدبر فيه فساعة الصباح هي الأمثل. لأن عقلك يكون حينها – فارغا – إن صح التعبير أو مستعد لاستقبال المعلومات الجديدة بقابلية أكبر.

– انتبه جيدا إن خصصت فقط ساعة واحدة صباحا للقراءة، فعقلك سيظل يشتغل على المعلومات التي استقبلها صباحا طيلة اليوم –
ان كنت تطالع رواية معينة أو كتاب قصصي أو سيرة ذاتية فساعة المساء ملائمة لهذا النوع. لأن تسلسل الأفكار في هذا النوع من الكتب يساعد أيضا على الرفع من جودة نومك.

• إن كنت تريد الرفع من مستوى الإبداع لديك فقصص الخيال قبل النوم مفيدة لك.

أوقات القراءة المفضلة لدي:

 لقد شاركتك الأوقات المثالية للمطالعة و التي سترفع من انتفاعك مما تقرأ. لكن إن كنت مهتما بكيف أنظم وقتي للقراءة. سأخبرك سرا يا صديقي – لا تخبر احدا ? –
أنا لا أملك وقتا خاصا. أعلم أن هذا عكس ما سمعته عن اكتساب العادات. سأشرح لك لماذا سلكت هذا السبيل في المطالعة لاحقا.

المهم، أغلب أوقاتي مع الكتاب تكون بعد صلاة العصر كيفما كان مجال الكتاب. أجد نفسي أكثر استيعابا و حتى أكثر إبداعا في فهم ما أقرأه بين العصر و المغرب.
ثاني أفضل الأوقات صباحا بعد الفجر. أختار غالبا كتابا هادئا – كتب روحانية – تناسب الساعة التي اقرأ فيها.
هذا لا يمنع أن أطالع كتابي ما بين 11 صباحا و الثالثة زوالا. لأني كما قلت لا أضع وقتا محددا، و لكني أضع كتابا محددا أريد أن استفيد منه في الوقت الذي يكون فيه عقلي متاحا لهذا الأمر و هذا ما أنصحك به.

• إن أردت أن تستفيد مما تقرأه فجالس الكتاب في وقت الذروة لديك. وقتما يكون عقلك متفرغا للتعلم و ليس في ساعة الفراغ!

– انتبه جيدا ‘ لكل أصحاب الأعذار: أنا مشغول؛ ليس لدي وقت ‘ اقترح عليك أن تضع كتابك بجانب سريرك حتى دون قرائته –
تريد أن تعلم لماذا؟ اخبرني في التعليقات.

5- كيف تتذكر ما تقرأه؟

الجواب المختصر: الكتابة. التدوين هو أفضل وسيلة لتذكر ما تطالعه بسهولة و تجد اجابة السؤال كيف تستفيد مما تقرأ.
لتكن دوما بجانبك مذكرة تحتفظ فيها بالأفكار التي أعجبتك و المعلومات التي استفدت منها أو تظن أنها ستفيدك مستقبلا.
اقترح عليك إن لم تكن من محبي القلم و الورقة أن تُحمِّل أحد التطبيقات الهاتفية الخاصة بتسجيل الملاحظات. ما دام هاتفك معك فالمعلومات بجانبك دوما!
الحل الآخر هو التسجيل الصوتي. لا تستغرب، فحين لا تكون مذكرتي بجانبي أو لا أريد الكتابة أقوم بتسجيل ملاحظاتي صوتيا ثم أعيد الاستماع اليها.

العلم صيد و الكتابة قيده، قيد صيودك بالحبال الواثقة فمن الحماقة أن تصيد غزالة وتتركها بين الخلائق طالقة.
-الإمام الشافعي

6- كيف أسرع من عملية الاستفادة مما أقرأه؟

من الأشياء الجميلة التي تساعد على عدم نسيان ما تقرأه هو: التصنيف.
أي أن تصنف المعلومات التي تقرأها. مثلا، الأرقام الاحصائية لوحدها؛ المقولات و الحكم في مذكرة خاصة؛ أو تعلمها بلون معين في الكتاب. الأمثلة الشخصية و الآيات القرانية الخاصة بمواضيع محددة و هكذا…
عملية التصنيف أيضا بإمكانك أن تجعلها الكترونية عبر الهاتف أو ملفات على حاسوبك. لكل ملف عنوان محدد وكلما قرأت موضوعا عن ملف منهم أضفت إليه ما تعلمته.
يوما ما حين تفتكر معلومة لكنك نسيت في أي كتاب قرأتها ستذهل من الفائدة العظيمة وراء عملية التصنيف هذه!

أي شيء يحدث فهو محتمل أن يحدث تغييراً في نمط حياتك ، كمرض يهدد الحياة ، أو فقدان وظيفة ، أو قراءة كتاب ، أو حتى لقاء تصادفي مع حيوان ما ، قد يقوم مقام المعلّم لك وتستفيد منه الكثير.

مارك فيكتور هانسن كاتب أمريكي

حكمة زمان – فيه ما فيه  –

يأتي أحدهم إلى البحر فلا يرى سوى الماء المالح و التماسيح و الأسماك. فيقول: “أين هذا الجوهر الذي يتحدثون عنه؟ ربما لا يكون هناك أي بحر”.
كيف يحصل على الجوهر بمجرد رؤية البحر؟ وحتى لو قدر له أن يكيل ماء البحر طاسا طاسا مئة ألف مرة، لن يظفر بالجوهر. لا بد من وجود غواص لكي يظفر بالجوهر. و حتى عندئذ ليس كل غواص قادرا على ذلك، المنشود هو: غواص محظوظ و ماهر.

وهذه الكتب و المطالعة مثل كيل ماء البحر بالطاس. أما طريق الظفر بالجوهر -كيف تستفيد مما تقرأ – فضرْب آخر. هناك الكثير من الأشخاص الذين ملؤوا رفوف مكتباتهم كتبا، لكن ذلك المعنى الحقيقي للقراءة لم يتوافر لهم. و هناك الكثير من الأشخاص الذين قرؤوا كتابا واحدا، لكنهم وصلوا للمعنى الحقيقي للقراءة و تغيرت حياتهم بعد كتاب واحد.

فأي الفئتين تختار؟