لا ترحل إلى أن تتحول: مراجعة كتاب رواء مكة

أنا و أنت اليوم لن نكتفي بتلخيص كتاب رواء مكة للكاتب المغربي حسن أوريد، وإنما سنذهب في رحلة ستكون العودة منها كمن أعيدت ولادته!

رواء مكة : ما وراء قصة الحج

ما جدوى أن تنفر إلى مكة حاجا وتزور المدينة إن لم تتحول؟
وهل الحج إلاّ هجرة؟ هجرة في الله؟

لا يختلف إثنان على أن أداء مناسك الحج حلم كل مسلم على هذا الكوكب، أو على الأقل في اعتقادي. ليس فقط لأنه فريضة لمن استطاع إليه سبيلا، ولكن لما تحمله هذه الشعيرة من هيبة و قيمة. يكفي أنها ليست للجميع ولكن لمن استطاع إليها سبيلا. والكل اليوم يريد أن يكون من هؤلاء المستطيعين!

لكن ما الغاية الحقيقية من الحج؟ وهل كل من حجَّ حاجٌّ؟
وما بال أولئك الذين حجوا البيت وعادوا كما ذهبوا؟
ولماذا بعض الشخصيات التي حجت لتزيد الوصال، وإذ بها ترجع و الحبال بينها وبين الإسلام انقطعت؟

لن أقول أن الكاتب حسن أوريد سيجيب عن هذه الأسئلة كلها. ولكني سأقول لك إن كنت تريد العودة للفطرة؛ الفطرة النقية، تابع معي القراءة.

7 فصول من رواء مكة السيرة الروائية للكاتب حسن أوريد

1- ومضات

“أي رحلة هذه التي سلكت من رافض للحج متنذر بشؤونه إلى مقدم عليه…”.

كما هو عنوان الفصل الاول من رواء مكة يعيدنا الكاتب إلى ومضات من حياته السابقة. من طفولته وتربيته ومسيرته المهنية.
لكن الأهم أنه يعيدنا إلى كيف بدأت لديه ومضة رحلة الحج. هل كان مهيئا له أم مجرد حدث كتب عليه حضوره كباقي الأحداث؟

لقد أصبح الكاتب نشيطا على الساحة الثقافية. فقد أوجد لنفسه مساحة في المجتمع بعد أن ألقت به مصالح وزارة الخارجية كما يلقى بسقط المتاع. واستطاع أن يعيش من قلمه ويجنب نفسه ذل السؤال.
ولم يعد الإسلام في حياته بعد كل هذه الاضطرابات التي عاشها إلا ذكرى و حنينا يستدر منها التوقير لأنه دين آبائه و أجداده. وأصبح يراه طوقا و إصرا ليس عليه وحده فحسب، بل على المجتمع كله!

لكي يصل الإنسان لما يسمى نقطة التحول في حياته لابد له من أن يمر على مراحل مختلفة تشعل بداخله وميض التغيير. أو بالأصل أن تعود به إلى جذوره الأصلية كما هو الشأن مع حسن أوريد.

أولى ومضات التغيير كانت ما بين حديثه حول اللغة العربية التي تعلمها على يد أساتذة كانت العربية بالنسبة لهم دلالة فخر واعتزاز. و بين اللغة العربية التي يسمعها في المؤتمرات التي باث يحضرها. ليتسائل:

ماذا سيبقى من العرب ومن العروبة؟

يتحدث حسن أوريد هنا عن لغة عالمية لها وضع اعتباري لدى المسلمين. لغة لها الصدارة في لغات الإسلام، متحسرا عن ذهاب كل ما تعلمه عن هذه اللغة سدى و تحولها الآن إلى أصوات لا تحمل معنى.

“هل يستطيع العرب أن يقولوا مثلما قال الأديب الإنجليزي توماس كارليل، ‘ لو خيرنا نحن الإنجليز بين الهند و شكسبير لاخترنا – إلا من بعض التجار – شكسبير على الهند، هل يستطيع العرب أن يقولوا ذات القول لو خيروا بين البترول والمتنبي؟ ‘…”.
يونيو من سنة 2006 كان يوم جمعة حيث اعتذر حسن أوريد عن حضور إحدى الفعاليات. لكونه مقبلا على إجراء عملية، عسى أن تنتهي الآلام الجسدية التي عانى منها زهاء 10 سنوات.

بعد العملية ولكي يسلو بنفسه أشعل التلفاز على قناة فرنسية. حيث كانت ناشطة حقوقية إيرانية تحكي كيف أنها ابتهلت إلى الله أن يشفي أعز عزيز عليها. وكان أن شفيت أمها وعاشت بعد ذلك سنين عديدة.
هنا أطفئ حسن أوريد التلفاز وردد في تلك اللحظة أنه لو شفي سيذهب إلى الحج!

في هذه اللحظة بدأ وميض رحلة الحج داخل نفس كاتبنا ولأنه كان نذرا فقد استوجب عليه تنفيذه بعد شفاءه.

الإقبال على الحج

“غلب علي الهوى ولذلك أنا مقبل ل.. لأتطهر.. وهل تتطهر هناك؟ كان ينبغي أن تتطهر من قبل..
فعلت ما بوسعي، طفت بمن أعرف والتمست الصفح ممن أذنبت في حقهم… ورحمة ربي وسعت كل شيء…”.

عن نفسي كلما سافرت إلى مكان ما تعود بي ذاكرتي إلى ومضات من الماضي القريب. أستذكر فيه ما يعجبني و أحاول تغيير ما لم يعجبني على الأقل في ذهني.

ولكن حسن أوريد في رحلته هذه وهو على متن الطائرة لم يستطع أن يجعل حواره الداخلي مسموعا لديه فقط. بل وصلت الإشراقات التي تغريه للعودة إلى بيته الأول. الذي سمع فيه صوت القرآن يتلى من الفجر، إلى مسامع زوجته قائلة له: ” اللهم حسن العاقبة معك يا حسن! إن كفرت بالإسلام أسرفت على نفسك، وإن آمنت به حملت نفسك ما لا تطيق “.

” توضأت ولبست الإحرام و عدت إلى مقعدي من الطائرة. أنوار تتراءى من بعيد هي محطتنا و الظلام يلفها، عما قريب سيتنفس الصبح.. عما قريب سينبلج النور.. وأغمضت عيني فرأيتني صبيا في بلدتي قصر السوق، كما كانت تسمى آنذاك…”.

هنا يعود الكاتب ليسترجع ومضات طفولته وهو يطرق أبواب النائمين مرتلا الآية: ‘ إن قرآن الفجر كان مشهودا ‘، أو سماعه لأوراد جدته التي لا تنقطع.
يرى نفسه حينا يمشي وسط جنان مدغرة. وحينا في بيته بواحة بوتالمين حيث يتردد هو وأخوه على الكتاب لحفظ القرآن.

وهو مغمض العينين، انتقلت رؤاه بين مسرى حياته حيث لقي الكثير: الاشتراكية؛ القومية العربية؛ الحركة الأمازيغية…
ولكن اليوم كان له لقاء آخر لم يكن يعتقد أنه سيحدث… لقاء بالإسلام… بعد فراق طويل.

فهل تصبر معي أن آخذك في سراديب هذا اللقاء كما هو الشأن مع حسن أوريد، لعله يكون لقاء لنا أيضا، أنا وأنت؟

2- ذبذبات

“روح الحج ليست هي المكان، و لكن هي اللقيا؛ وهي الجماعة؛ وهي الآصرة “.

يحاول الكاتب حسن أوريد في هذا الفصل من رواء مكة اكتشاف إجابة السؤال: هل يحقق الحج غايته؟ غايته في التعامل و التعارف؟.. أم هو طقس بلا معنى؟. عبر سرده ليوميات قضاها ابتداء من وصوله لمدينة جدة إلى انتهائه بطواف الإفاضة.

“.. هناك مكان للعِلْية من القوم، أصحاب -السياحة الروحية-. ثم هنالك أماكن -للرعاع- من مختلف الشعوب الذين يأتون ل -يكفروا عن خطاياهم وذنوبهم-. و ليعودوا -كما ولدتهم أمهاتهم-.. فوضى عارمة، و قداسة مثلومة بالتجارة التي تحيط كحلقة أو عقد محيط بالحرم “.

إن كنت زرت مكة أو على الأقل شاهدت أحد البرامج عنها ستعلم بالتأكيد ما الذي يتحدث عنه الكاتب هنا. فرحاب الحرم المكي لم يخلو من البضائع الصينية التي ما لبثت تغري المعتمرين والحجاج من أول وهلة.

كل هذا يهون أمام تجربة رائعة عاشها الكاتب بمنى. أقوام من كل مكان أو من كل الأجناس يرتدون لباسا واحدا، ويسكنون حضن الجبل.
هذه التجربة البسيطة للمسلمين وهم يعيشون سواءً وقد تجردوا من حطام الدنيا ولباسها.

تجربة جماعية هي غاية الحج، هذا التوداد الذي كان الكاتب ينشده، اللقيا؛ الآصرة!

ما بين البحث و العودة

قد تكون رحلة الحج لمعظم الناس تأدية واجب ديني فقط. ولكن بالنسبة للكاتب فهي أيضا قراءة لما خلف سطور هذه الشريعة.
وهكذا أريدك أيضا أن تنظر إليها، سواء أديتها قبل قراءتك لهذا الملخص أو لازلت ترفع أكف الدعاء لله عسى أن يكتبنا أنا وأنت من الحجاج يوما.

يتمحور كل شيء حول بيت يطوف حوله الجميع ويُنظر إليه من عدة أركان. “يبدأ من الركن اليماني ثم يحول النظر من خلال الحركة، من خلال الطواف، ولا يتحول من خلال النظر، أو لا ينبغي أن يتحول عن المركز؛ عن القطب؛ البيت…”.

إن السعي بحث مقرون بالجهد و طلب الرزق. و قد يعتريه قلق و اضطراب. لكن شعار -الله أكبر- الذي يردده كل حاج ليس إلا تذكير له أن الله أكبر من كل هم و ترح قد يصحب هذا السعي.

أما الطواف فهو عودة، عودة لتلبية النداء. نداء الله الجامع الذي لا يفرق بين عربي ولا عجمي، أو بين غني ولا فقير. إنه نداء لمن فتح قلبه لسماعه.

هنا ينهي حسن أوريد يومياته في الحج. لكن شظايا هذه الرحلة لازالت تبعث إلى ذاكرته. فهل هو بعث جديد؟

4- إشراقات

“هي معيني الأول من نبع الإسلام، هي التي سقتني قيمه وعدت إليه بعد تلمس وكدح…”.

لم يخف الكاتب حسن أوريد في هذا الفصل امتنانه وعرفانه لأستاذه الذي فتح أمامه أبواب المعرفة.
ولكن في ذات اللحظة كان عرفانه لشخص آخر لم ينل حظا من معرفة ولا علم أكبر و أعمق. كان هذا الشخص جدته التي رأى فيها نبع الإسلام الذي سَقيَه منها وهو بعد في القماط… ولكن كان عليه أن يعود للبحث عنه. فهل وجده؟ نعم!

حين فرغ من السعي بين الصفا والمروة وهو ينهل من ماء زمزم و يتفكر في من حوله ردد: “أنا مسلم، أنا مسلم”، لأنه الآن وفقط في هذه اللحظة فهم معنى الله أكبر. الذي لم يكن يوما كلمة تتلى و إنما فلسفة حياة.

رواء مكة ليس فقط كتاب يحكي قصة حاج و عودته لمنبعه الروحي. وإنما أيضا كتاب يذكر بشخصيات أجنبية إعتنقت الإسلام. من بينها إزابيل هارت العاشقة للصحراء و قد نقل إلينا الكاتب من يومياتها شذرات تحرك شغاف النفس.
وأخرى مغربية عالمة بالدين و الدنيا، وكان لها الأثر البليغ في صون هذا النبع الروحي. أمثال أبي الحسن اليوسي الذي قال عنه محبيه: “من فاته الحسن البصري يدركه فالحسن اليوسي يكفيه”.

إن الرسول لنور يستضاء به

هذا شطر بيت قصيدة كعب بن زهير ردده حسن أوريد كمن سمعه لأول مرة داخل زاوية تامكروت.

إن كنت عالما بخبايا الصحراء وسحرها وما يدفع إليه صمتها من حديث للنفس. فلا تستغرب لما آل إليه كاتبنا وهو يعيد استرجاع شطر البيت الذي سمعه صباحا. ولكن هذه المرة ليس ليردده؛ وإنما ليعيش معاني كون رسول الله محمد بن عبد الله رفيقه في الحياة.
“ذاك اليتيم الذي هزأ به صناديد قريش، ذلك الفتى، ذاك الأمين أضحى رفيقي و مستشاري، بل القائد الأعلى الذي أأتمر به…”.

كل منا قرأ سيرة الرسول محمد أو على الأقل سمع عنها في صفوف دراسته. لكن كم منا فعلا اقتدى بهذه السيرة؟ كم منا أحب الرسول أكثر من نفسه؟ أكثر من أهله؟ أكثر من الدنيا كلها؟

هذه ليست أسئلة فلسفية غناء أكتبها لك لتثير جمالية اللغة لديك. ولكن لأدعوك لتعيش معي ما عاشه حسن أوريد وهو يستحضر سيرة الرسول.
ولكن هذه المرة ليس من باب الثقافة الدينية، ولكن من باب إجابة السؤال السابق: “عما قليل ستنضب ذخيرتك -ما لديه من مال- فما أنت صانع ولك أولاد؟”.

“أنت، أنت يا رسول الله حاق بك الضيم ونمت على الطوى؟ أنت يا حبيب الله؟
نعم يا فتى، و هل تحسب الهجرة في الله سفرا قاصدا.. بل هي معاناة، بل هي كدح…”.

لم يكن حديث الرسول كلاما منصرفا للماضي، ولم تكن معاناته حدثا انتهى. ولم يكن جهاده لحظة من لحظات تاريخ طويت. بل هو نور وهدى يستضاء به في كل صغيرة أو كبيرة تحل بنا.

5- بشائر

“وهذا غيض من فيض من تلك البشائر التي تفجر روائها في رحاب الكعبة المشرفة…”.

يعود الكاتب في هذا الفصل ونحن على مشارف إنهاء الكتاب إلى سرد قصص شخصيات اعتنقت الإسلام. ولكن هذه المرة ليس لتأثيرها على ثقافة القارئ. ولكن لتأثرها هي بثقافة المسلمين الذين جسدوا الإسلام قلبا و قالبا.

يقول الكاتب حسن أوريد : ” في رحلة الكثيرين إلى الإسلام كانت أولى البشائر طيور تحمل اليمن قبل أن يحط المسافر الركاب في رحاب الإسلام.
أشخاص يلتقي بهم انطبعت فيهم أخلاق الإسلام فصاروا مرآته. يجد فيهم رقة، ويجد فيهم سماحة، هناك مرجعية أخلاقية ما، هناك ميكانيكية ما. أفلا تكون الإسلام؟ الإسلام، كفلسفة حياة وليس طقوسا.. “.

نعم، هذه الفلسفة هي التي جعلت كلا من الفتى النمساوي ليوبولد فايس و الضابط فانسون مونتاي وغيرهم يعلنون إسلامهم. فقط لمجرد تعامل أخلاقي تلقوه من عرب فهموا معنى الإسلام الحق؛ و عاشوا به.

قد تكون أنت يا من يقرأ هذه المقالة إحدى البشائر التي ستدخل إلى حياة آخرين، فانتبه إلى تعاملاتك!

هذه البشائر لا تستلزم أن يكون مستقبِلها أجنبيا لتحثه على اعتناق الإسلام وإنما فقط عش بأخلاق الإسلام. فرواءك سيتفجر و سينهل منك من هو مستعد و مستحق لفيضك.

6- تداعيات

“لقد تحرك التاريخ وإنها لمسؤولية جسيمة أن نسعى سعينا لكسب الرهان…”.

لم يكن رواء مكة ليفيض على حسن أوريد إلا باكتمال هجرته على أرض الواقع. هل يهجر و يُعرِض عن لقب ومنصب رسمي يوثقه؟ أو يُغَلِّب مصالح أبنائه في عيش رغد؟

شخصيا اؤمن بالرسائل التي تُرسل لنا كإجابة على كل الأسئلة التي تراودنا، أو تزيل الحيرة عن أمر التبس بداخلنا، و أنت ما رأيك؟

بالنسبة لحسن أوريد فقد استقبل جواب حيرته من آية قرآنية سمعها في صلاة الجمعة: ‘واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه’.

وهنا اكتملت الهجرة، “وقد عزمني أن أطلب الإعفاء من المنصب الذي كنت أشغله…”.

توالت الأحداث بعد هذه الهجرة على حسن أوريد، والتي لم تكن سهلة ولكن ما خفف من وطئها الأحداث التي عاشها العالم العربي خلال عام 2011. وكيف أنه رصد كل تلك التحولات متحررا من أغلال المناصب السياسية التي كانت ستفرض عليه صمتا مطبقا، و متشبثا أيضا بأريج سيرة النبي التي دفعته لهجرة ستكون سابقة فتح مبين.

7- الحنين إلى مكة

من قال أن الشوق لمكة يكون فقط قبل زيارتها؟

بعد 4 سنوات من زيارة حسن أوريد لمكة، تعود إليه أشواق هذا المكان. لكن هذه المرة لم تكن أحداث الماضي التي طفت عليه، وإنما همسات شخصيات إسلامية صنعت مجد هذا الدين.

يعتدل حسن أوريد من اضطجاعه وتختلط عليه رؤى الأحلام و الذكر، متحدثا حينا مع ياسر بن عمار و أخرى مع صهيب. ليستفيق أخيرا كأنه أضحى شخصا آخر، وقد تبدد كل غم و كل هم ثم أخذ يرتل القرآن مع أصحابه.

“وأتممت الحج… كانت الكعبة المشرفة لقاء، لقاء مع ذاتي.. قد كان لحجي ألا يكون إلا شعيرة. وفجأة، نعم، كما يتفجر من الأعماق تحول رَواءً انبجس من داخل نفسي… “.

وأنت الآن أتممت معي مراجعة كتاب رواء مكة، ما إحساسك؟ هل لازال الحج لديك مجرد شريعة دينية؟ أم هو الآن رحلة نعيش فيها الآية ‘إن إلى ربك الرجعى’؟

حكمتي_من_الكتاب#

في شهر ماي من عام 2019 وأنا أشاهد برنامج سواعد الإخاء. أثارت انتباهي تلك النبرة التي تحدث بها المفكر المغربي د.أبوزيد الإدريسي عن مؤلف ‘رواء مكة’. فدونت عنوان الكتاب لكي أطلع عليه.

لكن حقيقة نسيت قراءته ولم أتذكره إلى شهر نونبر 2019 حيث كنت أستعد لأداء العمرة. وكنت حينها أبحث عن كتب أقرأها قبل سفري و أخرى ترافقني أثناء رحلتي.

أردت البدء بمطالعة الكتاب قبل الرحلة لعلي اقتبس منه ومضات تزيد شوقي للمكان. لكني صدقا لم أفتحه إلى أن ركبت الطائرة متوجهة إلى المدينة المنورة. ولأنها كانت أول رحلة لي بالطائرة لم أستطع التركيز، فأغلقت الكتاب. وهكذا ظل إلى أن عدت أدراجي للمغرب!

أنا الآن أكتب مراجعة كتاب رواء مكة في المكان الذي أتممت فيه قراءته لأول مرة، أمام بحر تفضنة على مقربة من مدينة الصويرة؛ جنوب المغرب.

قد تتسائل ما جدوى أني قرأت هذا الكتاب بعد عودتي من العمرة؟ أجيبك وأنا كلي امتنان لله أنه ألهمني عدم قراءته قبل العمرة.
لماذا؟ لأن فيض هذا الكتاب لم يكن لينبع داخل قلبي لو لم أزر تلك البلاد وأنهل من رواءها. بكل ما كنت أحمله من ظلمات أصبحت نورا.

بعد قرابة عامين من قراءتي الأولى لرواء مكة. لازلت في كل مرة آتي إلى هذا المكان أحمله معي و في كل مرة يفتح أمامي آفاقا جديدة داخل نفسي.

العمرة كما لم تسمع بها من قبل، مقالة كتبتها عن زيارتي لمكة كانت نتاجا لهذه الآفاق التي فتحت بداخلي…

العمرة ليست فقط العمرة التي قرأت عنها.
مكة ليست فقط مدينة الرسول.
الروضة الشريفة ليست فقط سجادة خضراء و منبر الرسول.
المدينة ليست فقط حيث يوجد المسجد النبوي.
الكعبة هي الوجهة و ليست المقصد.
المناسك ليست هي فقط ما تقرأه في الكتب…

رواء مكةروايات مغربيةمراجعة كتابمراجعة كتاب رواء مكةملخصات كتب
التعليقات (1)
شارك بتعليقك