رحلة بحث: الإنسان عن المعنى

كل شيء يمكن أن يؤخذ من الإنسان عدا شيء واحد؛ آخر الحريات الإنسانية، أن يختار موقفه ضمن أي مجموعة من الظروف وأن يختار طريقته الخاصة.

اليوم سنبدأ سلسلة جديدة من المقالات بعنوان ‘رحلة بحث’ حيث سنغوص أنا وأنت في كل ما نسعى للوصول إليه خلال هذه الحياة الدنيا.
من بحث الإنسان عن المعنى إلى بحثه عن الله ثم الروح و الصحة… فأفضل هدية تمنحها لنفسك هي الاطلاع على هذه الخواطر المليئة بالافادة؛ فلا تنسى الإشتراك في المدونة!

قُدر لأمة محمد عليه الصلاة والسلام حسب حديث نبوي أن أعمارها تتراوح بين 60 و 70 سنة. بعيدا عن صحة هذا الحديث من عدمه، فمهما بلغ عمر الإنسان إلا وحياته تكون عبارة عن بحثه عن المعنى من عيش هذه الحياة. عن المعنى من كل الأحداث والأشخاص فيها.

فلن يفرق إذن إن عشت 100 عام أو 10 أعوام مادمت وجدت المعنى الحقيقي من وجودك!

أفضل هدية لروحك هي أن تطورها بضغطة زر واحدة

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

بحث الإنسان عن المعنى في سبب خلقه

حين يطرح عليك سؤال لماذا خلقت؟ أو لماذا أنت موجود في هذه الحياة؟ أغلب الظن أن إجابتك ستكون لعبادة الله، وهذا شيء لا نختلف عليه.
لكن ماذا لو كانت إجابتك هذه عبارة عن جواب برمجت على قوله منذ طفولتك ولا يحمل بداخلك أي معنى؟ نعم هنا الاختلاف! أن تعطي إجابة ذات معنى أو إجابة بُرمجت عليها.

الغاية من هذه المقالة ليس الغوص في غاية خلق الإنسان، وإنما استيعابك لضرورة أن تكون أنت من يعطي المعنى لكلامك؛ لأفعالك؛ و لكل ما تراه حولك.

أعلم أن العديد منكم الآن ممن يقرأ هذه الخاطرة هو على أعتاب التغيير. وحين أتحدث عن التغيير فأنا لا أقصد بالضرورة التغييرات الكبيرة، ولكن مجرد كونك مهتما بالوعي والتنمية فلابد أن تكون بداخلك نية لتغيير شيء ما.

كيف تكون تقييماتك الشخصية سببا في معاناتك؟

وأنا جالسة في إحدى دورات الوعي الذاتي استمع بذهول لقصص العديد من النساء، وكيف أن لكل واحدة منهن معاناتها الخاصة التي جعلتها تتطور وتنمو. لكن في الجهة المقابلة لازالت أخريات تعاني من ضغوط تجبرهن على التراجع خطوات للوراء في كل مرة.
الحقيقة الصادمة أن العيب ليس في تلك الضغوطات القاهرة و لا في الأشخاص بعينهم، ولكنها في المعاني التي نعطيها لتلك الضغوطات.

أعلم أنه من الصعب حين تحكي مثلا سيدة ما أن زوجها يرفض حضورها للدورات و تقاسي معه لتقنعه أنها تريد هذا الأمر، أن أقول لها لا بأس أنت لست مضطرة للشعور بالحزن والقلق تجاه زوجك لرفضه رغبتك، فقط غيري معنى هذا الأمر بالنسبة لك من معنى الرفض إلى معنى الاستيعاب.

سابقا حين كنت أسافر رفقة أهلي، كنت أرى نفسي مجبرة على رفقتهم لأنهم تعودوا على وجودي معهم في كل رحلاتهم. ومع أني قد أكون وسط أعمال كثيرة إلا أني ألغي كل الأعمال اضطراريا. مع أني أقضي وقتا جميلا معهم إلا أن هذا لا يمنع تلك الأفكار بداخلي من زيارتي وكيف أني تركت أعمالي و مواعيدي وسافرت لإرضاء والدي!

الآن و بعدما استوعبت أهمية اختياري لمعاني الأحداث من حولي، بدل أن أضع هذه السفريات تحت مسمى الإجبار غيرته لقضاء وقت أطول مع والدي، لتصبح هذه الرحلات أكثر متعة وبهجة.

انعكاس المعنى الداخلي على نتائج واقعك الخارجي

إذا كنت حزينا بسبب أي شيء خارجي فإن الألم ليس بسبب هذا الشيء نفسه ولكن بسبب تقييمك الشخصي له وبهذا فإنه لديك القوة من أجل الإلغاء في أي وقت.

– ماركوس اوريليوس

هل الوصول لهذه النتيجة أتى هكذا دون سابق إنذار؟

لا أبدا، إنها خلاصة تجارب كان أغلبها عن المنظور الخارجي لتجارب سلبية.

في سنتي الدراسية الأخيرة كان واحد من أساتذتي من الشخصيات إن صح التعبير ‘المعقدة والمملة’. هذه كانت أحكامي المسبقة قبل أن أتعلم التوقف عن إصدار الأحكام.
كانت حصصه الدراسية لا تنتهي إلا بشق الأنفس، %80 من زملائي في القسم مستواهم التطبيقي لما ندرسه أعلى من مستوى الأستاذ نفسه. فلم نكن ننتبه أساسا لما يدرسه! فقط لأننا كنا مجبرين على حضور هذه الحصص، التزمنا بها.

في آخر السنة الدراسية وبعد انتهاء الدروس قرر الأستاذ إضافة حصص دعم لنا، ولأنها لم تكن إجبارية فالصف بأكمله قرر عدم حضورها هربا من الأستاذ نفسه.
كنت مع أصدقائي في قرارهم والأصح كنت من السباقين لطرح هذه الفكرة.

.ولكن في يوم ما وأتذكر أنه بسبب نزاع بيني وبين بعض زملائي قررت أن ألقي نظرة على حجرة الدرس وانظر إلى أستاذي. وأنا الآن بعد أكثر من 5 أعوام لازلت أتذكر تعابير وجهه وكيف كان يجلس وحيدا في الصف. منتظرا تلاميذه الذين قرروا مسبقا أن حصصه لا تستحق وقته

  •   كل يوم اشارك المقطع المفضل لدي من احد الكتب على انستغرام فمرحبا بك 🥰

ما هو سبب الشعور بالملل والضجر؟

هل أحسست بالشفقة عليه؟ ربما نعم؛ ربما لا.
لكني أخذت المبادرة ودخلت الصف. لم أكن أعلم عن ماذا سأحدثه، فسكت!
سألني: أين بقية زملائك؟
أجبت: لا أعلم!
قال: هم لا يريدون الدخول صحيح؟
كل الأفكار والجمل تلخبطت داخل عقلي في لحظتها. لم يخرج من فمي سوى جملة: “سامحني أستاذي على كل ما صدر مني من إزعاج وعدم مبالاة طيلة هذا العام…”.

تكلمت وتكلمت لأكثر من نصف ساعة. ولا أعلم كيف وصل بي الحديث لأكلمه عن عائلتي التي معظم أفرادها أساتذة وأني احترم هذه المهنة كثيرا…
أعلم أن كلامي ذلك لم يكن مبررا لما قمت به وما أصدرته من أحكام مسبقة عليه. ولكن على الأقل كان فرصة لي لأصلح ما استطعت اصلاحه.

ههه لأبشركم خيرا، ربما ذلك الحديث كان بوابة لي لأستعد بشكل أكبر للامتحانات واحصل على أعلى معدل في النهاية!

  • بعد تلك السنوات استطعت ان ارى بوضوح أننا من نعطي معنى الملل والضجر لما نعيشه من أحداث.
    صحيح ان بعض الاساتذة تكون حصصهم وكلامهم مملا ولكنك أنت المسؤول عن إعطاء هذا المعنى.

فالآن حتى لو كان كل من حولي يحسون بالملل من شيء ما أستطيع في داخلي رؤيته من زاوية اخرى غير مملة.

كيف تسمي الأشياء بمسمياتها؟

إحدى العبارات التي طالما سمعتها من أستاذتي رقية الركيبي هي “سمي الأشياء بمسمياتها”. ربما كان القصد الأكبر من هذه الجمل هو أن تعرف ما تفكر فيه أو تشعر به أو تعيشه في كل لحظة بالتحديد.

  • فإن كنت تشعر بالحزن فسمي الحزن حزنا وليس قلقا
  • وإن كنت تشعر بالخوف فسمي الخوف خوفا وليس غضبا.
  • وإن كانت فكرتك هي التعلم فسمي ما الذي تريد تعلمه

بالدخول في هذه الفكرة بشكل أعمق أستطيع أن أضيف إليها “سمي الأشياء بمسمياتها انطلاقا من المعنى الخاص بك“.
فليس كل ما يعتبره الناس محزنا ستشعر أنت أيضا بالحزن منه. وليس كل ما ينصحك الناس بتعلمه ستتعلمه لمجرد أن فكرتك هي التعلم!

إليك حكمتي

بحث الإنسان عن المعنى ليس مقتصرا فقط على وضعه تسميات للحالة الفكرية و المشاعرية التي يعيشها، وإنما هي بحث فيما وراء المعنى لكي يصل للمعنى الأعظم حيث الإله بداخله.

دورك اليوم ليس فقط أن تضيف معنى جديد لقاموسك، وإنما أن تنتقل ممن يعيش وفق مسميات الآخرين إلى الإنسان الذي بحث لنفسه عن معنى خاص به لكل ما يدور في حياته وعاش وفقه برضى تام.

في المقالة الثانية من سلسلة رحلة بحث سنتعلم أنا وأنت كيف نصل لهذا المعنى الأعظم. سجل في الموقع لتتوصل بالمقالة فور نشرها 👇🏻

هذا رأيي، والرأي ظنّ، و الظن لا يُغني من الحق شيئا. أنت ابحث و تبَيَّنِ الحق.
اكتشاف الذاتالبحث عن المعنىرحلة بحث
التعليقات (2)
شارك بتعليقك