الرضى: النعل المعكوس
الرضى في حياتك
ها قد أتى الصباح وأشرقت الأرض بنور ربها، تُمضي أيامك كما اعتدت عليها منذ سنين مضت، عملك، عائلتك، أصدقائك، سفرك، هواياتك، الى أن تلتقي يوما بأحد رفقائك القدامى فيسألك: ما درجة الرضى لديك؟ هل الله راض عنك وعن حياتك؟
لتجيبه قائلا: نعم، أعتقد ذلك، أنا أصلي، و أصوم، ومالي حلال، وأُزكِّي منه مرة كل عام، إضافة لصدقتي اليومية، أصِل رحمي، بَارٌّ بوالديْ، وأعتبر نفسي شريكا صالحا. ثم تبتعد عن هذا الرفيق والشك يُساور داخلك أن إجابتك لم تكن مقنعة ولا كافية لك فما بالك به هو!
تقرر المشي لعملك اليوم بدل ركوب السيارة، وكلما التقيت شخصا تعرفه تسأله ذات السؤال: هل الله راض عنك؟ لعلك تجد الإجابة التي تبحث عنها- الرضى – لكن دون جدوى، فتصرخَ غيرَ عابئ بمن حولك: كيف أعرف أن الله راض عني؟!
﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾
كانَ الإمام الشافعي ماشياً، فإذا برجُلٍ يسبقهُ يُناجي ربه ويقول: يا رب، هل أنتَ راضٍ عني؟ فقال الشافعي: يا رَجُل، وهل أنتَ راضٍ عن الله حتى يرضى عنك؟ قال الرجل: كيف أرضى عن ربي وأنا أتمنى رضاه؟ قال: إذا كان سرورك بالنقمةِ كسرورك بالنعمة، فقد رضيتَ عن الله.
اقتضت حكمة الله تعالى في الكوْن أن يعيش الإنسان حياته بين متناقضات كثيرة، الخير والشر، والحق والباطل، والعدل والظلم، والعطاء والمنع، والغنى والفقر، والصحة والمرض…تستيقظ نهارا على ضوء الشمس وتنامُ ليلا على ضوء القمر، تغَطِّي نفسك من قسوة برد الشتاء وتَرفع عنك الغطاء من شدة حر الصيف، تفرح يوما لنجاحك وتبكي في آخر على فشلك، تضحك على نكتة صديقك البايْخة صباحا وقد تبكي لخطيبة خائنة مساء.
فإذا كنا نحن من يُردد دوما: نؤمن بالقضاء خيره وشرّه، فحقيقة فهم هذه المتناقضات ليس بحفظ معانيها من المعجم، بل بعكسها على واقعنا باعتبار أن جميع الأحوال التي تتعاوَرُ علينا إنَّما هي ابتلاء.
يتصور البعض أن فقرَهم شر، ومرضهم قهر، وفشلهم انتكاسة تتكرر، وطلاقهم نهاية مشوار، وموت أحبابهم صدمة عمْر. والبعض الآخر قد يرى في غناه رِفعةً، وفي صحته قوةً، وفي نجاحه امتيازا، وفي زواجه امتلاكا، في حين يقول الله تعالى: “فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلّا”
ما الامتلاكُ بتكريمٍ ولا الفقدانُ حرمانٌ!
فالفقير يُبتلى بالفقْر، هل يسعى؟ هل يتعفّفُ؟ هل يرضى بما قسمهُ الله أم يضجر؟
والغنيّ يُبْتلى بالمال، هل يتزكى؟ هل يتعجرف؟ هل أدّى حقّ الله أم يستنكر؟
والمريض يُبتلى بالمرض، هل يتداوى؟ هل يصبر عليه؟ هل يفتح صدره لرحمة الله أم يضيق؟
والقوي يبتلى بالصحة، هل يطغى؟ هل يحافظ عليها؟ هل يشكر الله على نعمته أم يكفر؟
حين نتيقن أن في الشر خيرٌ، وبعدَ الباطلِ حقٌّ، وفي الظلم دعوةٌ مستجابةٌ للمظلوم، وكما العطاءُ خيرٌ، فإن المَنْع عيْن العطاءِ في لحظته، حينئذ يكون الركن السادس لأركان الإيمان قائما في حياتنا.
ألا تدري أن كثيرا مما يفعله الله يبدو قهرا وهو لطف؟ “وقد يُنعِم الله بالبَلوى وإن عظُمت”
وإذا كنت لا تتحمل النظر إلى الحكمة الإلهية فانظر إلى ما يجري في الحياة حولك: ترى الأمُّ مبتسمةً للطبيبَ وهو يستعد لحقن ابنها الرضيع الباكي بابرة في يده، هل قلبها مُتحجِّر؟ لا وألف لا، إنما رغبتها في صحته وعافيته. إنه الرضى!
تنفصلُ ابنتك عن خطيبها، فتحزن على رزقها الذي لم يَكتمِل، ويمر الوقت فيأتي نصيب أفضل من الذي فات بدرجات وتتأكد أن في كل تأخيرٍ تدبيرٌ من الله عز وجل. فإياك أن تقيس الأمور بقدر فهمك وإدراكك وإلا تجدُ نفسك قد سقطتَ بعيدا.
ثمانيةٌ لا بد منها على الفتى *** ولابد أن تجـري عليه الـثمـانية
سرور وهَـمٌّ، واجـتماع وفُرْقة *** ويُسْر وعُسْر، ثم سقم وعافية
ما دام في داخلك روحٌ، وما دامتِ الروحُ قد ذُكرَت، فإن خيْرَ ما يُبقيك على رضى الله هو عَودة روحِك إلى أصلها.
ماذا أفعلُ بالجسد وأنا من عِليِّين *** وماذا أفعلُ بالروحِ وأنا من طين
[…] بقول أن المعلومة كانت خاطئة ولكن قد تدخل في دوامة الغيبة والنميمة على من قدم لك هذا العلم. وستكون بذلك جهرت بالسوء الذي […]