خلف الستارة
بين العالم الواقعي و الافتراضي
عام بعد عام تزداد العولمة حداثة و تتسع دائرتها حولنا لتوصلنا الى الشهرة . و مع تطورات التكنولوجيا اتصل الأشخاص ببعضهم البعض فأصبح لكل منهم عالميْن.: واقعي و افتراضي.
واقعي يعيش فيه المرءُ أحداثَه بكل عثراته و مآسيه مع نفسه. و افتراضي يَختلق أحداثه من أجل آخرين. والتي يكون جُلها إن لم نقل كلها ذو طابع جميل مفرح و مزركش خال من العيوب.
ليس الغريب أن يحلم الإنسان بالشهرة. و بعالم أجمل و أفضل مما يعيشه فيشاركَ بذلك أحلامه و رغباته ممن يرى فيه نفس ميولاته. لكن الغريب أن تَتناقض هذه المشاركات اليومية مع حالته الآنية و استنكاره لواقعه المُعاش من أجل نيل إعجاب الآخرين. و الأغرب من ذلك تزييفه لشخصيته و طبائعه.
ربما العيش تحت الأضواء و فوق بريق الشهرة قد بَلغ بالإنسان مبلغَ تلوين حياته بلون وردي معاكس للونها الرمادي. الذي جَمح صَحوة ضميره نحو العمل على تطوير نفسه و البحث العميق عن حلول مشاكله و التي سيجدها في عالمه الحقيقي الملموس.
تغطي الشهرة على العيوب ، كالشمس غطى نورها على نارها
أحمد شوقي
بذالك أصبحت وسائل التواصل الإجتماعية ستارة أبدع مُستخدموها حِياكتها بأثواب وألوان مختلفة. و متنوعة تتناسب مع متطلبات متتبعيهم. بذل أن تكون منصة لتَشارك التجارب الناجحة و الخطوات الثابتة نحو الإصلاح التي ستعُود عليهم أولا بالنفع. ثم على معجبيهم الباحثين بدورهم عمن يُنسيهم سواد و ظلمة عالمهم و يوقظَ فيهم إشراقة نور ولو كانت كاذبة.
فمن كان من هذه الفئة المختبئة خلف الستارة مُحبّا للعزلة؛ كَارها للتجمعات. يُظهر صورة لنفسه في حفلة لأصدقاء الدراسة راسماً إبتسامة صفراء على وجهه الشاحب، ومن كان شِحِّيح الأحاسيس؛ مُفرط اللامبالاة؛ يضع صورة له مع قطة الحيِّ قلقا على ساقها الجريحة حزينا على ألمها بملامح مُصطنعة للأسف…
- لماذا هذا التصنع و هذه المظاهر التي نختلقها من أجل الإرضاء و نيل الإعجاب؟
- أليس الأولى تغيير أنفسنا نحو الأصلح؟
- ألم يحن وقت رفع الستارة المستعارة؟
؟كيف تنظر الى مواقع التواصل
قد يرى البعض منا ممن ركب أمواج مواقع التواصل الحديثة دون سابق استعداد أنها مَنفذ لتفريغ مكنوناته الباطنية. التي ظل يَختزُلها عن محيطه سواءً رغبة منه أو كرها. و نحن لازلنا نطرح في هذا الصدد إشكالية المجتمع و الأسرة بشكل خاص. في احتوائها لأفرادها و ترسيخها لشخصياتهم بشكل سليم وتطويرها بمنحى إيجابي طيلة فترات نموهم .
إن طبائع الشخص و مَلكاته تظهر منذ طفولته. و الأولى أن ينتبه الآباء لكيفية تشكل شخصيات أبنائهم. فمن لمح في ولده سلوكا نحو الإدعاءِ و التفاخر أو غيرها أن يسرع في محاولةٍ لتغييره و يُظهر لطفله أنه لا شيء يستمر بإدعاء وجوده و لا افتخار سَيوصِله إلى الرضى.
في الجهة الأخرى ممن أُرغِم على طَمس هويته منذ الصغر ألاّ ينسى أننا خُلقنا لنتعلم و نُحسن ذواتنا نحو الأفضل. و ليبدأ كل منا في استعراض طبائعه السلبية على نفسه. و أن يبحث لها عن حل بدل أن يغوص بها في بحور التكنولوجيا الغير مُقننة و يؤثر بذالك على غيره. فنخلق بذلك دوامة من الأشخاص الفارغين اللذين يحومون حول بعضهم البعض. آملين في اجتياح أكبر عدد.
ومن لم يستطع إصلاح ذاته فلا ضير من زيارة سليمة و دون خجل لطبيب نفسي. يُقيِّم فيها أفكاره وما يُخالجه أو الإنخراط في المؤسسات الإجتماعية المُلِمة بحاجات الفرد النفسية من جلسات استماع. و خَرجات يغير فيها نظرته المتشائمة عن نفسه و محيطه. و من رأى نفسَه بعيدا عن هذين الإحتمالين فخير جليس له كتاب جيد يُطوِّر به شخصيته و يحسن به طبائعه أو سيرة ذاتية لأشخاص تَغيرو فنجحوا.
وليس هناك أعظم من سيرة أخير البشر. رسولنا و معلمنا لندرسها ونقتاد به صلى الله عليه وسلم مصداقا لقوله تعالى :
” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا “.