ذيل القارب ليس أكثر من ذيل يترك في الخلف ولا قوة لديه في الحاضر.
الساعة الآن تشير إلى 1,36 ظهرا بتوقيت غرينيتش. أعيش قوة الحضور في أحب مكان إلى قلبي أراقب البحر من شرفة المنزل. مرتاحة حرة وسعيدة لكوني مع أسرتي.
لقد أعلمت بالأمس أن التنقل بين المدن تم منعه في وقت كنت انتظر فيه اتصالا مهما كان ليغير كل قراراتي لهذه الفترة. إلا أن هذا الاتصال لم يتم فلم يؤثر هذا المنع من التنقل شيئا!
على العكس كأنه أسكن بداخلي توتر السؤال: كيف أعود إلى مدينتي وأترك والدي هنا؟
في الصباح الباكر من هذا اليوم 03-08 ذهبت للمشي كالعادة بجانب البحر. كان صافيا أكثر من المعتاد ولاحظت ظهور زبد البحر بشكل كثيف، والكثير من ريش النوارس مطروح على الرمل.
إن سألتني هل تحبين السباحة؟ سأجيبك أنا أفضل المشي على السباحة. أجد نظرتي للبحر أوسع وأشمل و أستطيع الاحساس بكل ما يحيط به.
بالأمس، يوم الاثنين كانت الرياح قوية والبحر خال من الناس استمتعت به أكثر. كأنه ملكي!
كانت الأمواج تأتي و تذهب والرياح كذلك، وقوتها لم تمنعني من اللعب بالماء وأن أدور مستشعرة نسائم هذا المكان الجميل.
اليوم كنت كلما وضعت قدمي على الرمال كأنها تغرق في الداخل، فأجد صعوبة في رفعها و مشيي متثاقل. في لحظة ما وأنا ألاحظ القوة التي تنغمس فيها قدمي في الرمال، قلت في نفسي: “بعض الأشياء و الأشخاص يستحقون أن يتم الضغط عليهم بهذا الشكل حتى يختفوا من حياتنا”. هههه بإمكانك تغيير مصطلح ‘الضغط عليهم’ إلى آخر أكثر صلابة ‘ندهس، ندوس عليهم…’.
ثم قلت “لا يا زهرة ما هذه الفكرة الغير مهذبة!؟”
و تابعت المشي…
لماذا قد تريد التخلص من شخص أو حدث ما؟ا
لآن وأنا أكتب لك واسترجع الفكرة التي راودتني صباحا أتسائل: ما الذي يجعلنا نتجاهل الزمكان الذي نتواجد فيه، لتراودنا مثل تلك الخواطر؟
- من هم هؤلاء الأشخاص وما هي هذه الأحداث التي لو امتلكنا القدرة على دهسها والتخلص منها لفعلنا؟
- كيف يعقل أن أكون أنا أو أنت في مكان جميل ثم تتذكر شخصا أو حدثا فيتعكر صفو مزاجك؟
- هل كنت وسط مجمع ما ثم تحدثوا عن موضوع معين فشعرت بالانزعاج والغضب؟
وأنا أدوس على تلك الرمال فتختفي قدمي تخيلت فعلا أني أدوس على شخص ما، ليس بالمعنى السلبي ولكن فقط كنوع من إيقاظه من سباته. ولكي يعلم أن تصرفاته ليست سوى حفرة يحفرها لنفسه.
ما مصدر الأشياء التي تريد التخلص منها؟
هؤلاء الأشخاص أو هذه الاحداث التي نريد التخلص منها وطمرها في أسفل سافلين ما هي إلا أحداث مرت في الماضي. وعشنا معها خيبة أمل أو حزن أو ألم فتح بداخلنا جرح قلب لازال ينزف إلى الآن.
ربما يكون وعدا أخذته من شخص فأخلفه، أو كلمة جارحة سمعتها من قريب ولازال طنينها في أذنيك. أو حتى هدفا سعيت له جاهدا و ضحيت بالكثير من أجله لكن دون جدوى. أو من الممكن أن تكون تعرضت لحادث أو مرض ومع أنك شفيت ولكن هواجسه لا زالت تلاحقك!
أمثلة كثيرة ومختلفة على ما قد يكون يلاحقك من الماضي إلى حاضرك وستحمله معك إلى المستقبل.
لم تكن يوما نصحية ‘تخلص من الماضي وامض قدما‘ أمرا سهلا، مع أنها نصيحة جميلة حين تقال أو تكتب ولكن تطبيقها يستلزم شروطا جدية.
كيف يتم التخلص من الماضي؟
مع أني لا أتفق كثيرا مع قصص النجاح المطروحة خصوصا في الإعلام. إلا أن الجانب المضيء منها هو حيث يتكلم الشخص عن ماضيه قائلا مثلا أنه كان ابن شخص سكير ووضيع – دون حكم مني – مع هذا استطاع أن يكمل دراسته ويتفوق. أو سيدة مرت بزواج فاشل وقاس لكنها استطاعت تجاوز التجربة الأليمة وفتح صفحة جديدة…
لو كنت في مقابلة مع أحد هؤلاء الأشخاص وسألته: كيف تخلصت من ماضيك؟ ستكون إجابته لم أتخلص منه بل تجاوزته إلى الحاضر.
- إن الماضي كان فقط ‘ماضي’ ولم يعد عاملا مهما بالنسبة للأشخاص الناجحين بعد الآن.
لقد تعلم كل شخص ناجح الحضور في اللحظة، وتركيز انتباههم الواعي على أنه ليس على الماضي أن يملي عليهم المستقبل.
مع أن الحدث الذي عشته في الماضي مؤلم وصعب وجارح إلا أنه بإمكانك تجاوزه. فكما أن الوقت مضى ولن يعود للوراء تأثير هذا الحدث أيضا بإمكانه الزوال دون رجعة. لكن بشرط إذا امتلكت الرغبة في ذلك!
الشروط الثلاثة لزوال تأثير الماضي عليك وعيش الحضور
الاعتراف
ركيزة كل تغيير أو تنظيف هو الاعتراف بالوضع الحالي. أي أن تعترف بما تعيشه من شعور مؤلم ومحزن… بإمكانك الاعتراف لشخص ما أو الاكتفاء بأن تعترف بينك وبين نفسك شفهيا أو كتابيا على ورقة.
- أساس الاعتراف هو تركيز الانتباه على حدث / شخص لوحده دون غيره.
التقبل
بعد الاعتراف بالحالة التي تشعر بها وأنت تتذكر ما حدث بالماضي حان وقت تقبل هذا الشعور. كيفما كان حتى لو كان هذا الماضي يجعلك تستشيط غضبا، تقبل هذا الغضب حتى تتجنب تضخيم الحالة التي أنت عليها.
- أساس التقبل هو إبعاد أي مقاومة قد تحدث على المستوى الفكري أو المشاعري.
السماح
مع أن مرحلة التسامح تكاد تكون في قمة هرم الوعي، إلا أن السماح هنا حين التحدث عن أحداث الماضي المزعجة هو السماح بالرحيل. أن تجلس في مكان هادئ وتضع نية صادقة أنك ستسمح برحيل هذا الحدث أو هذا الشخص من حياتك بكل ما يحمله من تأثير عليك.
- أساس السماح هو فتح بوابة تجاوز الماضي بنية.
انتبه جيدا بعد وضعك لنية السماح بالرحيل فاستعد لتتحقق هذه النية بطرق قد تكون صعبة أو حتى مؤلمة خصوصا إذا كان هذا الماضي يربطك بأشخاص محددين.
التسامح هو العطر الذي يسكبه البنفسج على القدم التي سحقته.
– مارك توين
لترافقك اليوم عبارة ‘ذيل القارب’ حيث أن خلفية القارب ليست أكثر من ذيل يترك في الخلف، ولا قوة لديه في الحاضر ولا يمكنه أن يقود القارب. إنه ذيل وليس لديه تأثير على القارب مهما كان.
وهكذا الشأن مع أحداث ماضيك إنها مجرد ذيل فلا تحمله معك أينما ارتحلت!
سيكون صعبا للبعض منكم اتباع الشروط الثلاث لتجاوز الماضي فلا يكون الحل سوى التركيز على الآن.
قوة الحضور وعيش اللحظة
تحدثت كثيرا عن أهمية الحضور ليس فقط من مركزية تحقيق الأهداف، ولكن لكونه أيضا نقطة الوصل مع الروح.
ما تعيشه الآن هو حياتك، هو واقعك. أنت الآن في هذه اللحظة التي تقرأ فيها هذه المقالة على اتصال مع حقيقتك.
ما تراه وما تتذكره من الماضي لا يجب أن يتعدى كونه أخذ للدروس والعبر وليس للتأنيب وجلد الذات.
أنت تملك الحق دوما بالرجوع خطوتين إلى الخلف وفتح بوابة الماضي. ادخل إليها، استفد، تعلم واخرج بسرعة وعد إلى حاضرك، إلى حقيقتك، إلى هنا و الآن.
- تذكر أن الخوف لا يتخلق إلا في المستقبل.
- تذكر أن الحزن لا يتخلق إلا في الماضي.
- أنت تكون في عز قوتك وأنت هنا والآن، حيث عقلك و قلبك وروحك على مسار واحد منسجمين مع بعض.
لم يعد ذيل القارب هو القوة التي تقود حياتك. أنت تركز انتباهك على واقعك الحالي وكلما سعيت للاتصال بروحك كلما انغرست فيك قوة الحضور.
إليك حكمتي
انظر للماضي على أنه ليس إلا ذيلا تركته في الخلف، أنا وأنت الآن مسؤولون عن الاتجاه الذي ستأخذه حياتنا.
أنتظر رأيك بكل حب 💚