لم يكن من السهل الحديث عن شهر رمضان وكيف بالإمكان أن يحول فيه الشخص بوصلة غذائه من الغذاء الأرضي الذي يخفض من طاقته إلى الغذاء السماوي الذي يرفع من طاقته (أنا لا أتحدث هنا عن طاقة الجسد فقط).
فالمعلومات لم تكن أبدا العائق، بل الآن أصبحت متوفرة إلى درجة أن يسأل: وما الجديد لديك؟
نعم، كلنا أو على الأقل جزء كبير منا يعلم أن رمضان ليس شهر أكل ومسلسلات وأنه شهر عبادة وتعبد و قرآن . لكن هل نفَعِّل هذا الأمر في حياتنا؟
أنا لا أنكر أن لرمضان أيضا ميزة خاصة باجتماع الأهل على الأكل والتلفاز والاستمتاع بوقتهم معا، لكن بطريقة لا تشعرك بالندم بعدها.
الإشكال كما ذكرت ليس في عدم العلم بالشيء وإنما الانتقال بهذا العلم من مجرد معرفة إلى تطبيق.
– انتبه جيدا العلم بالمعلومة بدون تطبيق هو أول مراتب اليقين (علم اليقين) حيث يوجد معظم الناس. –
الصيام و القرآن… صدمة معلومات
فالصيغة التي انتهجها هنا في حكمتي ليست مجرد مشاركة معلومات، وإنما طرح العلم بطريقة ميسرة مع كل جوانب حياتك ابتداء بنفسك الداخلية.
فحين تسمع أن رمضان ليس شهر أكل ولكن شهر عبادة ليس كان تسمع أن الأكل المليء بالكربوهيدرات قد يؤثر على مستوى عبادتك ومدى اتصالك بروحك الداخلية.
وهنا الشخص سيتفكر فعلا فيما يسمعه ويقرأه وسيدعوه لطرح الأسئلة على نفسه إلى أن يصل لمستوى تطبيق هذا العلم.
هل نحن مجبرون بتطبيق كل ما نقرأه؟ لا، الأمر ليس هكذا!
أنت حين تكون جاهلا بالمعلومة فليس عليك حرج منها لأنها لم تصلك بعد.
– انتبه جيدا يقع الكثير من الأشخاص في الفخ حين يبدؤون بالتساؤل عن كل شيء دون الاكتراث في أي مرحلة هم. –
“لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ”. سورة المائدة – الآية 101
أما حين تصلك المعلومة بأي طريقة كانت فهنا الاختبار.
أي واجبك أن تأخذ المعلومة إن اقتنعت بها إلى مرحلة التطبيق حيث تتبين إن كانت صحيحة أو خاطئة.
– انتبه جيدا يعيش معظم الناس استحقاقا خطيرا بسبب عدم تبين المعلومات والاكتفاء فقط بتكديسها وهو “أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ”. –
بعد أن شاركتك جزء مهما حول رمضان كشهر إمساك ودور الغذاء في التأثير على روحانيتك، حان الوقت للانتقال إلى ثاني أهم جزئية وهي القرآن الكريم.
- هل أملك الحق في نصحك بختم القرآن الكريم من عدمه، أو كيف تقرأه؟ بالتأكيد لا.
- هل ما سأشاركه معك هو الصواب؟ بالنسبة لي أنا نعم هو صائب، وأنت تبين.
رمضان كشهر قرآن
بما أن هذا الشهر الفضيل هو الذي أنزل فيه القرآن من البديهي أن يكثر فيه قراءته، لكن الأمر أصبح صراحة كسباق مع الزمن.
إن كنت تتسائل عن عدد الختمات التي ستقوم بها؟ أو هل سبقتك صديقتك لختم القرأن؟
أو حتى ربما وهذا ما أصبح شائعا تختمين القرآن داخل مجموعات هاتفية!
بعيدا عن أجر وثواب هذه الأعمال و جوازها من عدمه، أريدك أن تجيب على الأسئلة السابقة. فإن كنت تجد نفسك مع هؤلاء المتسابقين فأدعوك للتريث قليلا.
سأعود بك على دروس التربية الاسلامية واذكرك بأنك قرأت يوما أن القرآن لم ينزل على الرسول دفعة واحدة أو في شهر واحد، بل في سنوات وحتى حين أريد التعجيل به قال الله تعالى: “لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ”.
- فكيف لنا نحن إذن كإنسان أن نعجل به خلال شهر واحد؟
– انتبه جيدا إفصل بين لفظ إنسان وبشر وتبين كيف أن لكل منهما مستوى وعي مختلف. –
القرآن الكريم كمصطلح لغوي
لدينا الكلمة الأصلية هي: قُرْآن.
جذر الكلمة هو: فعل قَرَأَ، ألقى النظر أو نطق بكلامه.
لكن لو أريد بالقرآن أن يحمل فقط معنى فعل قَرَأَ لكتب بالفتحة (قَرَآن). لكن الشكل تغير من فتح إلى ضم.
وهنا القاعدة تقول:
- الفتح هو نظر في الشيء الخارجي مثل: خَلَق (شكل الجسد).
- الضم هو نظر في الشيء الداخلي مثل: خُلُق (أخلاق الإنسان).
- إذن القرآن هو قراءة داخلية لشيء ما…
- مع العلم أن قُرْء تحمل معاني ك: اجتماع حروف القرآن أو وقت حدوث الشيء.
قد تقول الآن وما جدوى درس الإعراب هذا زهرة؟ لأخبرك!
كيف نفهم الغاية من قراءة الكتاب؟
“فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ“. سورة القيامة – الآية 18
لأعطيك مثالا نفهم فيه الآية أعلاه.
إذا خطى الشخص فاتبع خطواته.
الشخص هنا قد قام بالخطى وترك خطواته لتتبعه أنت.
يعنى فعل الخطى قد تم وعليك أنت الآن اتباع هذه الخطى (المجموعة في الخطوات).
فكذلك القرآن “فإذا قرأناه فاتبع قرآنه”.
فعل القراءة قد تم (قَرَأْنَاهُ).
عليك الآن باتباع القُرْء (قُرْآنَهُ) أي اجتماع حروف القرآن.
– انتبه جيدا الحرف هنا قد لا يعني بالضرورة ا، ب، ت… –
“وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا“. سورة الإسراء – الآية 106
قرآنا: اجتماع الحروف، الآيات، البينات.
فرقناه: تفريق الشيء وتقسيمه، نشرح هذه الجزئية لاحقا.
لتقرأه: تنطق بكلامه على الناس على مهل.
تنزيلا: من نزل، ينزل، تنزيل.
مثل: صغر، يصغر، تصغير.
يعني فعل التنزيل هذا أقيم على دفعات صغيرة.
التنزيل قد لا يعني تنزيل القرآن كقرآن وإنما تنزيل فهمه عليك أنت.
- المعاني والمفاهيم التي نحتاجها جمعت كلها داخل القرآن، لكنها فرقت “فَرَقْنَاهُ” على الكتاب كله حين تقرأه وتجمعه أنت.
– انتبه جيدا الفرقان من فُرْ: أفضل شيء، قان: أصلح وسوى. –
أنت حين تجمع القرآن على أساس فهمه فتنتقل من مجرد فعل القراءة إلى (فاتبع قرآنه) أي جمعه، فأنت بذلك تحصل على أفضل فهم لهذا القرآن الخاص بالمرحلة التي أنت عليها .
الأوامر التي جاءت مع قراءة الكتاب
الترتيل
1- “أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا“. سورة المزمل – الآية 4
الترتيل هنا ليس تجويد القرآن بأحسن صوت كما هو متعارف عليه. وإنما هي من تلا، تلا الشيء أي اتبعه “وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا”.
قراءة القرآن تتم بشكل تتابعي بمعانيه الداخلية العميقة.
– انتبه جيدا ترتيلا جاءت أيضا بصيغة التصغير أو التدقيق إن صح التعبير.
- ترتيل القرآن يأتي على مهل لتكون جائزته “سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا”. (القول الثقيل = بيان عظيم)
التحريك
2- “لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ“. سورة القيامة – الآية 16
الأمر في هذه الآية جاء بالنفي، لا تحرك لكي تعجل به، لتصل لما بعده.
لاحظ معي أن تحريك اللسان يصاحب عملية الأكل أو الكلام و في سياق موضوعنا سنهتم بالكلام.
فلا تحرك به لسانك قد يعني لا تقرأه بصوت مرتفع إن كان غايتك استعجال قراءته. وعكس الحركة المصاحبة للعجلة هو السكون.
– انتبه جيدا هناك حالات من المهم أن تقرأ فيها القرآن جهرا خصوصا أثناء التطهير. –
في أواخر الآيات اللاحقة نجد “كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (21)”.
فقراءة القرآن قد نقول أنها تحمل وجهتين ولكل منهما نهاية.
- الحركة: العاجلة.
- السكون: الآخرة.
- جائزة عدم التعجيل بتحريك القرآن هي استقبالك للبيان “ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ”. (الله سيبين لك المعاني)
التيسير
3- “عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ“. تفسير سورة المزمل – الآية 20
قراءة القرآن تتم بيسر وليس بعسر، حيث معظم الأشخاص يصعبون و يجبرون أنفسهم على ختم القرآن في رمضان. وبعضنا حين ينقضي الشهر دون ختمه قد يعيش تأنيب الضمير إلى ما بعد شواااال!
قبل أن أذهب إلى العمرة سمعت كثيرا عن فضل ختم القرآن أثناءها. لكني لم أستطع إنهاء قراءته فحين عدت أحسست كأن جزءا من المناسك لم أقم به، وظللت أفكر في هذا الأمر مدة طويلة مؤنبة نفسي على تلك اللحظات التي لم أكن أقرأ فيها القرآن إلى أن استوعبت أن الأمر ليس في ختمه بقدر ما هو قراءته لغاية محددة.
- هناك العديد من الآيات التي جاءت لتفسر كيف يقرأ القرآن و كيف بإمكاننا الاستفادة من الذكر الموجود في هذا الكتاب.
كيف يصبح القرآن هدى وبينات لك؟
لقد أنزلت أولى آيات القرآن الكريم على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في رمضان وكانت شديدة الوطء عليه. -كلنا نعلم القصة- واستمر هذا التنزيل لمدة عشرين عاما حتى اكتمل وحيه على الرسول.
– انتبه جيدا العديد من الأشخاص حين يقرؤون القرآن خصوصا سورة البقرة لا يستطيعون إكمالها بسهولة هذا لأن طاقتها أكبر.-
فرمضان ليس شهر تعجيل بختم القرآن لأنه أنزل فيه والأصح أنه نزل كهدى للناس وليس ككتاب كامل فالأحرى أن تترصد هذا الهدى “بينات من الهدى” طيلة الشهر و إن تعذر عليك فعدة من أيام أخر.
في ختام هذا المقال إليك حكمتي
القرآن أكثر ما يكون مجرد كتاب للمسلمين أو الوحي الذي أنزل على رسولنا وإنما هو تبيان لكل شيء. ومع أننا نعلم هذا الأمر إلا أنك إلى الآن لم تأخذ الخطوة الصحيحة لتبني تلك العلاقة الوطيدة بينك وبين هذا الكتاب حتى يقضى إليك وحيه.
الله يرزقك يا اختي زهراء الاجر والثواب على كل كلمة نستفيد منها عن طريقك…..💚
اللهم امين عزيزتي, شكراا لك 💚