من هو عدو الإنسان الحقيقي؟
كما هو معلوم، لا يوجد دخان دون نار و لا نتيجة دون فعل سابق.
قام الإنسان على مر العصور بربط عدم التكافل بين الناس بسيادة الشر و انعدام الضمير عند الآخر، كما أصبح سجينا لفرضيته دون أدنى مجهود لإثباتها. أساس هذه الفكرة هو أن الإنسان يظن أن حقل رؤيته يتجاوز مرمى بصره.
هذا الأخير لا وجود له في الواقع بما أن الظلام يسود في فكر البشر و فيه يقبعون. كيف لا و قد كان الناس أعداء بعضهم لبعض و لا زالوا رغم إنتمائهم لنفس الفصيلة و لنفس العرق أحيانا بل و نفس العائلة و لو في أحيان ضيقة.
من هو عدو الإنسان الحقيقي؟
المشاكل على كل الأصعدة هي عبارة عن تسلسل لعداوات، بغض النظر عن حجمها، لا تخلو من بني آدم و إن كان جزءً من طرف ما و ليس بالضرورة طرفًا كاملا.
فعدو الإنسان ليس بالضرورة إنسان آخر، قد يلتهمك الأسد و أنت حي و تلتهمك الديدان و أنت ميت.
قد يعرضك إنسان آخر لإحدى العاقبتين، إما أن يضعك مع الأسود أو يقتلك بدم بارد و بذلك تواجه الديدان.
في الواقع، تكون عندها نعمة من الله للأسود و الديدان. وحده الإنسان الذي سيحاسب عند الله. هذا الأخير سبحانه هو الذي قد نجى سيدنا دانيال عليه السلام من قفص الأسود. ذلك القفص الذي كان قد وضع فيه حين توعد الملك آنذاك بقتل جميع الغلمان و الذين أخبروه بولادة من سينهي حكمه.
هذه الحادثة تذكرنا بحادثة أخرى، تلك التي كان بطلها الله حين نجا خليله إبراهيم عليه السلام. كان الملك النمرود قد أمر بوضع أبا الأنبياء في نار شديدة الضرام و إذا بملك الملك يأمر بدوره النار كي تكون بردًا و سلامًا عليه.
ذلك فضل الله على عباده الصالحين الذين و إن صبروا أبهرهم بعطاياه اللا متناهية. الهدف من المعجزات هو أن يتعظ الإنسان و يثق بقول الحق الذي جاء به الأنبياء و الرسل. ما إن يؤمن حتى يصبح محبًا لأخيه ما يحبه لنفسه و تصح العداوة بين البشر مجرد سراب لا أكثر.
الإنسان عدو لما يجهل .. و هو لهذا لا يحاول أن يفهم و يغلق كل باب يدخل منه النور بغبائه و تعصبه
– مصطفى محمود
كيف ترى النور في كل شيء؟
تنتهي المشاكل و يتكافل البشر و لا يزال من هم غير صالحون. لا شك أن الله يهدي من يشاء سواء السبيل لكن لا بد أن يرى الإنسان بعين الصواب أنه لا وجود للخير دون بشر.
قد يعاكسك الوجود بأكمله و يبقى مصدر الخير قائم لا ينطفئ. كن أنت التغيير الذي تحلم رؤيته يومًا.
إذا حدث ما سرّك شكرت الله و إذا حدث ما ضرّك قد أجزم بأنك لا تستشعر حمد الله و لا ترى حكمته إن حزنت. كما لا يوجد دخان دون نار، لا يوجد نور دون ظلام. الظلام الدنيويّ يجب أن يبشرنا بأن بعده هنالك نور ما بعده نور.
لا تحزن إن ظُلمت فالظلم ظلمات يوم القيامة و نعيم لك على صبرك. قد يخذلك بنو البشر لكن وعد الله لك حق لم يخلق نظيرًا له و ذلك سبب إنعدامه في الدنيا بأكملها.
يبقى السؤال بعدها
هل هناك تكافل حقيقي؟
الجواب هو أجل! فمن خلق الشر قد خلق الخير و من خلق السيئات قد خلق الحسنات. تلك التي تذهب السيئات، لا مجال لعدم ذكر مكانتها عند الله و إعتباره لمن آمن به.
شتان بين مؤمن وفاسق، بين مظلوم وظالم، بين صالح وفاسد، يوم لا يشفع لأحد شيئًا غير عمله.
نفس الإنسان ضعيفة و في محاربتها و تقويمها تكمن القوة، لا في محاربة و إضعاف شركائه على صعيد عام كان أو خاص مهما بلغت خصوصيته. و عليه الإنسان عدو نفسه قبل أن يكون عدوا لأي أحد.
من يعادي أخاه الإنسان هو في الواقع معادٍ لنفسه لأن العمر محسوب و وقفه محسوم. تزول الصراعات و يبقى الإنسان في شك دائم و نفسه لائم.
- هل هو لنيل لطف الله ملائم؟
- هل سيصمد طويلا أمام نفسه الأمارة بالسوء؟
- أم سينعم يوما ما بالهدوء؟
- هل هذا الهدوء يعني أنه استسلم، انتصر أم هُزِم؟
لا أحد يجد جوابًا لهذه التساؤلات و هناك من لا يسأل نفسه إحدى هذه الأسئلة حتى فوات الأوان. تكون عندها قد ذابت شمعة الحياة و لم تبقى سوى الشعلة التي تنطفئ بالنفس الأخير!
و صدق من قال: من يحاول أن يُمسك الشّمعة من شعلتها؛ يحرق يده
- الإنسان هو عدو نفسه إن مات في ساعة الغفلة.