التغيير: وعي الحق والظن

بعد ما تحدثت معك في المقالة الأولى حول أول أسباب الفشل في التغيير وكان هو عدم معرفة المفهوم الحقيقي للتغيير. والذي يبدأ أساسا من الجذر، أي الشيء الداخلي الذي دفعك من البداية على البحث عن التغيير.

تعرف على ما هو أول أسباب الفشل في تغيير حياتك ؟

اليوم سنكمل أنا وأنت سلسلة التغيير بالانتقال إلى ثاني أسباب الفشل في التغيير.

وعي الحق والظن : ظنك أن كل ما تسمعه حق

مع أن مصطلح التغيير طرح قديما منذ الأزل إلا أنه لازال اليوم المفهوم الأكثر تداولا. و أنا لست هنا لأضيف مفهوما جديدا إليك، وإنما لأحيطك علما بما يجب أن تتجنبه وأنت في خضم عملية التغيير.

إن سألت شخصا ما الذي يمنعك من التغيير ستتلقى إجابات كثيرة ومختلفة، ولكني أضمن لك إن تعمقت معهم في الحديث ستكون إحدى اجاباتهم هي التوهان داخل الكم الهائل من المعلومات المتوفرة حاليا، سواء المجانية أو المدفوعة.

إن سألتني إن كان هذا أمرا إيجابيا أو سلبيا، سأجيبك حتما أنه إيجابي بنسبة قد تكون %90. فالوفرة في المحتوى ما هي إلا فرصة لارتفاع نسبة وصول هذا المحتوى للناس وهذا ما نريده. لكن تلك %10 المتبقية و التي أضع هذه الجملة الآن بين قوسين: (هي التي فعلا ستحدد هل ستنتفع بكل ما تجده من معلومات أم لا)!

أقترح عليك أن تدخل اليوتيوب الآن أو جوجل وتبحث عن أي موضوع كيفما كان مثلا أكتب: الثقة بالنفس.
ستجد مئات إن لم يكن آلاف الفيديوهات و المقالات التي تتحدث عن الثقة وكيف تكتسبها.
دعني أسألك:

  • هل ستشاهد كل تلك الفيديوهات؟
  • أستقرأ كل المقالات المكتوبة؟
  • هل ستنتفع بكل ما ستتلقاه؟

غالبا إجابتك ستكون لا. لماذا؟ الجواب السطحي هو: لأنك قد لا تملك الوقت لكل هذا وبالتالي لن تنتفع منه بشكل كامل.
لكن الجواب العميق الذي يدفعنا بعض الأحيان الى عدم استكمال بحثنا حول موضوع معين رغم أننا في أمس الحاجة اليه هو: الشك في الكلام المقال أو المكتوب، وأحيانا الشك في الشخص نفسه الذي يقدم هذه المعلومات.

انتبه جيدا الشك هنا غير الظن الذي سنتحدث حوله لاحقا -.

أعلم أن الأكثرية ستستغرب من كلامي هذا، لكن إن كنت من الفئة التي لم تستغرب أهنئك لقد تجاوزت ثاني أسباب الفشل في التغيير!

بوابة التغيير

أنت الآن تريد البدء في مرحلة جديدة من حياتك ولهذا تريد أن تغير الكثير، و تسمع أن الثقة بالنفس هي بوابة التغيير فتبدأ بالبحث. سنستمر على نفس مثالنا أعلاه، عن الثقة بالنفس.
ولأنك متحفز للتغيير والبدء من جديد تفتح هاتفك أو حاسوبك على اليوتيوب و تبدأ بمشاهدة كل ما يتعلق بالثقة بالنفس و كيف تكتسب.

أنت الآن تتعلم و تفكر في كل ما تتلقاه، تشاهد الفيديو الأول و الثاني والثالث… ثم تنتقل للعاشر وقد تجد في صندوق الوصف لأحد الفيديوهات رابطا يحيلك على موقع ما، تجد فيه أيضا عشرات المقالات حول كيف تكتسب الثقة في نفسك بسهولة.
قد تستمر على هذا الوضع لأيام عديدة وأنت فقط تتجول بين المواضيع. – لابأس أنا أيضا أقوم بهذا لكن بنية أخرى -.

تشاهد شخصا؛ مدرب أو أيا كان ويعجبك كلامه وطريقة شرحه للموضوع، فتقرر أنك ستتبع كلامه لأنه في اعتقادك هو شرح منطقي و صحيح وصائب لكيف تكون
واثقا من نفسك.

متى انتابك حس مستمر بعدم الرضا يعنى ذلك أن الله أوجده لسبب واحد فقط : عليك أن تغير كل شئ و تمضى.

باولو كويلو كاتب

 

تبدأ بالتطبيق يوما بعد يوم قد تجد نتائج بسيطة لكن الأغلب منا في بداية رحلته لا يرى أية نتائج على الخارج!
فتقول في نفسك أوووه ما قدمه فلان غير جيد ولم يعط أي نتائج. كيف يصبح مدربا؟ أو كيف يعطي هذه المعلومات الخاطئة؟
فتغلق عليه الباب وتفتحه على مدرب جديد و تعيد نفس العملية وسترى نفس النهاية.
تطبق ما تسمعه من هذا المدرب أو الإنسان الذي أعجبك واعتقدت أن طريقته هي الصواب لكن النتائج غير مبشرة مرة أخرى.

انتبه جيدا لفظ الإنسان يعني النسخة الغير مكتملة، لذلك كلما صادفت إنسانا ضع أمامك أنه قد يكون أيضا في رحلة تغيير -.

تحاول التحدث أمام أصدقائك أو زملائك في العمل، لكن يغلب عليك التوتر وتتساءل أين ما تعلمته عن الثقة بالنفس؟!
تقول ربما الثقة بالنفس ليست ما أحتاجه بل سأبحث عن كيف أصل للحرية المالية. وهكذا سأكتسب الثقة تلقائيا…
لتعيد مرة أخرى رحلة المشاهدة والقراءة والسماع… يعجبك أستاذ أو مدرب ما و تتأكد من أن كلامه هو المنقذ لك، لكن مع الأسف قد لاتجد النتائج المرضية.

شرط العبور من الوهم إلى الحقيقة

كل الأشخاص في العالم بما فيهم أنا وأنت يتكلمون بظن يحتمل الصواب والخطأ.
كيف هذا؟ يعني أي معلومة أنت تستقبلها من شخص كيفما كان هذا الشخص، (مدرب؛ أستاذ؛ عالم؛ دكتور…) فهذه المعلومة قد تكون حقا و قد تكون ظنا!

انتبه جيدا ما أحدثك عنه الآن هو وعي تكتسبه وليس مجرد اعتقاد وكلام -.

حين تمتلك وعي الحق والظن فأنت بهذا ستتجنب الصدمات.

لنعود لأمثلتنا السابقة ونسقط عليها هذا الوعي الجديد  – وعي الحق والظن –

أنت تشاهد أحد الفيديوهات أو تقرأ مقالة أو تحضر دورة، ستستحضر في ذهنك أن المعلومات التي ستستقبلها قد تكون صحيحة وقد تكون خاطئة. وهذا ما سيجعلك مطمئنا وأنت تطبقها، لماذا؟

لأنك في الأخير إن لم ترى النتائج المرغوبة ستقول لابأس هذه المعلومة لم تكن صوابا بالنسبة لي.
انتبه جيدا في كل مرة تقول: اكتشفت؛ انخدعت؛ انصدمت؛ انصعقت… فاعلم أنك كنت بعيدا عن وعي الحق والظن -.

من زاوية أخرى مع تطبيقك لهذا الوعي الجديد ستتمكن من

تفادي الجهر بالسوء

كيف هذا؟

حين نطبق مثلا معلومة ما ولانجد النتيجة التي نريدها غالبا ما نتوجه للتدمير الذاتي. بحيث نقول: أنا لا أستطيع؛ أنا لم أنجح؛ أنا فاشل… وأيضا نتجه لإلقاء اللوم على الشخص الذي أمدنا بهذه المعلومة، ونتهمه أنه شخص غير محترف، أو إنسان غير كفئ وكما يقول البعض “أصحاب التنمية البشرية بياعين كلام”.

لكن الأسوء ليس فقط حديثك هذا مع نفسك، وإنما مشاركته مع الآخرين. حيث لا تكتفي بقول أن المعلومة كانت خاطئة ولكن قد تدخل في دوامة الغيبة والنميمة على من قدم لك هذا العلم. وستكون بذلك جهرت بالسوء الذي كان بداخلك لأشخاص من الخارج، في حين أنك ب وعي الحق والظن ستتفادى كل هذا!

انتبه جيدا قد تقول ما علاقة الغيبة والنميمة بالتغيير والتطور الشخصي! لأخبرك، أن أي فعل صغير منك سيؤثر سلبا أو إيجابا على رحلتك -.

  • ضع افتراض أن يكون ما تتعلمه صحيح أو خاطئ. لأن أيا كان من يعلمك فكلامه ظن إلى أن يصبح حقا.

أمثلة لعدم استخدام وعي الحق والظن

المثال الاول:
كنت حضرت إحدى الدورات في العام الماضي وكان الدكتور المحاضر شخصية مشهورة في العالم العربي. وكأي دورة بعد نهايتها يقوم الفريق المسؤول بإنشاء مجموعة على أحد مواقع التواصل الاجتماعي لمتابعة نتائجنا مع التطبيقات. و بعد مرور مدة من المتابعة المستمرة خرج الدكتور من المجموعة.

في يوم ما التقيت مجموعة من الأشخاص حضروا معي نفس الدورة. استغربت لحديثهم عن أسلوب الدكتور وكيف أنه خرج من المجموعة دون أن يخبرهم، و أن هذا ليس من شيم مدرب تنمية بشرية!
أغلب الجمل التي سمعتها منهم ابتدأت ب : اعتقدت أنه مختلف… اكتشفت أنه لا يطبق ما يقوله… صدمني بتصرفه… لم أتصور أنه سيقوم بهذا… إنه مدرب عالمي على الأقل كان عليه…

في هذه اللحظة تساءلت في نفسي لو كان هؤلاء الأشخاص وضعوا في أذهانهم أن هذا الدكتور هو إنسان مثلهم كلامه ظن، هل كانوا سيسقطون في فخ الحكم عليه؟!

المثال الثاني:
راسلتني إحدى صديقاتي وهي تتساءل حول مضمون كتاب نظرية الفستق. حيث يتحدث الكاتب عن ضرورة اكتساب عادات الناجحين مثل: التخطيط للأهداف والتنظيم.
لكن أفكارها تلخبطت بسبب فكرة أخرى قرأتها في كتاب آخر، تقول أن الشخص لابد أن يتعلم كسر العادات وأن لا يمشي على خطة واحدة. هذه الأفكار المتضاربة جعلتها في حيرة من أمرها، من تصدق و من تكذب!

هل كاتب نظرية الفستق هو الصائب؟ أم الكتاب الآخر؟
الإجابة أن لا أحد مصيب ولا أحد مخطئ. الصواب والخطأ يعتمد على تجربتنا نحن!

انتبه جيدا وعي الحق والظن هنا ينطبق أيضا على العلاقات، اجعل في ذهنك دائما أن الإنسان المقابل لك غير منزه عن الخطأ -.

“وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ”.

هذه الآية ليست مكتوبة لتخيفك، ولكن لتدعوك أن تراجع حساباتك مع الأشخاص الذين تطيعهم و تتبعهم.

‘أكبر منك بيوم أعلم منك بسنة’، هذا مجرد مثال على المعتقدات التي غرست في اللاوعي ورسخت بداخلك أن كل من هو أكبر منك سنا أو علما أو مالا هو أعلم منك وبالتالي كلامه هو الصح. في حين الله يشير إلى الضلال الذي قد تسقط فيه وأنت بعيد عن الحق.

كيف أفعل وعي الحق؟

“إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا”.

الحق كلام الله
الظن كلام البشر

  • أنت تستمد معلوماتك من الله وأي معلومة تأتيك من الخارج عليك بتجربتها لأنها ظن.
  •  إذا المعلومة اشتغلت معك فهي حق.
  • إذا لم تشتغل فهي باطل، أو لا تناسبك أو ليست مرحلتك.افسر في هذا لاحقا

إليك حكمتي

قد تقول الآن لماذا يا زهرة ربطت شيئا دنيويا وهو رحلة التغيير بالدين وآيات الله تعالى؟ لأخبرك شيئا: القرآن جاء مفسرا لحياتنا الآن أكثر ما يكون للآخرة. ولأني فهمت هذا الأمر متأخرة نوعا ما، أريدك أنت أن تستفيد منه اليوم قبل الغد، إن كنت مستعدا طبعا!

ولأني مؤمنة بما كتبته ستلاحظ أني في آخر كل مقالة أكتب لك هذه الجملة:

هذا رأيي، والرأي ظنّ، و الظن لا يُغني من الحق شيئا. أنت ابحث و تبَيَّنِ الحق.

أنتظر رأيك بكل حب 💚

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

2 تعليقات
  1. محمد يقول

    شكرا على مشاركتكي لنا تجربتكي الشخصية كلام عميق
    اسال الله ان ينفعنا بما علمنا

    1. Zahra يقول

      بكل سرور محمد، شكرا على مرورك وأنوي لك ان تستفيد من موقع حكمتي بكل يسر 🥰

شاركني رأيك

%d مدونون معجبون بهذه: