النية ليست ما تريد بل الطريق لما تريده

من المحتمل أن يكون حديث الرسول محمد صلى الله عليه وسلمإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى“، أكثر الأحاديث حفظا لدى الناس و أكثرها تداولا بيننا. و من المحتمل أنه الحديث الذي يعاد تدريسه في أغلب دروس مادة الاسلاميات، ولو كان عنوان الدرس يبدو خارجيا أنه بعيد النطاق عن النية.

  • لكن لم الاهتمام بهذا الحديث بالضبط؟
  • هل لأنه حديث قصير يسهل حفظه في ذاكرتنا؟
  • أم أن الإنسان كلما تخلف عن أداء عمل ما قال: المهم أني نويت فعله فقد قال رسولنا “إنما الأعمال بالنيات”!؟
  • أم أن هناك ما هو أعظم من هذا المستوى الأول من الفهم؟

أنا أتحدث هنا عن موضوع عظيم وهو النية، و عن كلام بشر أعظم محمد الرسول، و مع مخلوق عظيم هو أنت. لذلك السعي لبلوغ مستويات أعلى من الفهم في موضوع النية من حقي أنا و أنت.

💚 شاهد بحب

الجزء الأول من الحديث: "إنما الأعمال بالنيات".

ما تعريف النية ؟ متى تكون النية ؟

 تضمن هذا الجزء ما تُربط به النية و هو العمل بصيغة الجمع. أي ليس هنالك عمل مخصص لنية واحدة أو نية معينة خاصة بعمل محدد. يعني بإمكان عمل واحد أن يتضمن نوايا كثيرة.
مثلا: الدراسة يمكن أن ترتبط بنية العلم و نية النجاح و نية الغنى
كما أن نية واحدة يمكن أن تدخل ضمن أعمال كثيرة، مثلا: نية العلم قد ترتبط بالدراسة؛ بالوظيفة؛ بالعمل التطوعي؛ بالسفر…

الجزئية المهمة هنا أن هذا الحديث بدأ بحرف شرط ‘إنَّ’ و أنت تعلم أن معنى الجملة الشرطية هو: أنه لا يستقيم شيء ما دون الآخر. وبالعودة للحديث نجد أن الشيء الأول هو –العمل– والشيء الآخر هو –النية-. أي أنه لا عمل بدون نية. لماذا في نظرك اشترط في العمل النية؟

استحضار النية في الأعمال

مثلا أنت الآن تريد الدراسة. نفترض أن الدراسة هي -العمل- وبدأت فعلا دراستك. بعد أسابيع أو شهور تكتشف أن أغلب زملائك ليسوا كما تريد. أغلبهم لا يهتم بدراسته؛ وأساتذتك غير متفهمين لشخصيتك الباحثة عن تعلم المزيد. وقد تضطر للخروج من الفصل و حينا قد تتعرض للطرد لاستفساراتك الكثيرة. و غالبا ما تتشاجر مع زميلك في المقعد لأنه ينعتك بالمتكبر والأناني، لرفضك مشاركته أجوبة الإمتحان. كل يوم يمضي وأنت تزداد تعبا من الدراسة، و النوم العميق صار نادرا لديك لأنك تريد أن تستعد للاختبارات طيلة الليل بشكل جيد و تحصل على نقطة جيدة.
انتبه جيدا تعبك؛ جهدك؛ سهرك… قد يكون نتيجة لتَشبُّع اللاوعي لديك بعبارة: “من أراد العلا سهر الليالي”، طيب ليييش أسهر الليالي!؟ اليوم فيه 24 ساعة! نتحدث عن هذا لاحقا.

غَلَب العالِمُ العابِدَ بفَنِّ النية

النوايا المميزة قد تتحقق بالعلم بقوانينها وليس بالعبادة 

و هذا ما حصل بالفعل. في نهاية الفصل حصلت على نقطة جيدة و أنهيت -العمل- الذي بدأته وهو الدراسة. لكنك تكتشف أنك الوحيد الذي فرح لتفوقك. لم تنجح في في تكوين صداقات، و لم تنجح في الحفاظ على علاقة مستمرة مع أساتذتك، و لم تنجح في الحفاظ على صحتك. فأنت الآن بالكاد تستطيع الوقوف على قدميك… لماذا كل هذا؟

الجواب بسيط: لأنك لم تربط دراستك بنية الاستمتاع. لم تكن نيتك أن تدرس باستمتاع، قد تجد هذه الإجابة غريبة غرابة المثال أعلاه. لكنه الظن الأقرب للحق، إن كنت ربطت عملك أي أن تدرس وأنت مستمتع لما مررت بكل تلك اللحظات المتعبة جسديا و نفسيا.
و لكني نجحت في النهاية. بعد ماذا؟!

نعم، النجاح قد يكون نيتك الأولى و قد حققتها… بعد صعوبة للأسف.
لهذا الحديث بدأ بحرف الشرط ‘إنَّ’ و جاءت النية و العمل بصيغة الجمع. فقد كان بالإمكان أن تريد الدراسة و تنوي فيها النجاح و الاستمتاع معا.

انتبه جيدا النوايا دائما إيجابية لأنها من عالم الأمر و لا تتغير إلى أن تصل إلى العالم المادي. اكتب لي إن كنت مهتما بمعرفة المزيد

الجزء الثاني من الحديث: "وإنَّما لكل امرئ ما نوى".

المختصر المفيد لمعاني هذه الجزئية هو اليقين بأنك سترى تحقق نيتك، و هنا يفشل معظمنا. فإن نظرت مِن حولك ستجد أن لغالب الناس نوايا لأهداف كثيرة لكنها لم تتحقق حتى الآن! لماذا؟
الحقيقة أن هناك أسبابا عدة لكنني سأكتفي بالكتابة عن سبب واحد رئيسي وهو: غياب اليقين. الشك، الشك في النفس؛ في القدرات؛ في الهدف نفسه؛ و الأسوأ الشك في الله…

حينما تقرأ “وإنما لكل امرئ ما نوى” فلا يختلف اثنان أن هذه الجملة هي تأكيد وإقران صريح أن نيتك الخاصة بعمل معين هي محققة كيفما كانت و كيفما كان العمل، و هنا يقع البعض في الفخ.

نعود لمثال الدراسة. أنت تريد أن تدرس بنية النجاح و تظل طوال العام تفكر في عدم رغبتك بالسقوط و تركز انتباهك على أنه لا مكان للفشل في عامك الدراسي هذا. وفي كل امتحان تقول أنا لن أسقط فيصبح الخوف من الفشل هاجسك وقد تحدث عنه الكاتب مارك مانسون في الكتاب الشهير فن اللامبالاة كثيرا ، و تفاجأ في نهاية الفصل أنك فشلت. لماذا؟ مع أنك اجتهدت و درست!
السبب المباشر أن تركيزك الكامل كان على عكس نيتك و ليس على نيتك الأصلية.
تركيزك كان على عدم الفشل بدل أن يكون تركيزك على النجاح.
و قس على ذلك كل جوانب حياتك…

 من أسباب عدم تحقق النوايا:
  • التركيز على عكس النية.
  • الشك في تحقق النية.
  • النية بذرة تزرع في اللحظة التي تطلقها فيها لتنمو بالسعي و اليقين

كانت إحدى الشخصيات التي أعرفها داخل عالم التنمية البشرية إنسانة -مكافحة- كما يحب البعض دعوتها. لأنه بالفعل ما مرَّت به لتصل إلى مستوى وعيها الحالي كان تجربة قاسية و صعبة نوعا ما. لتتجه بعد ذلك إلى أن تكون اليد اليمنى لكل امرأة تعيش ما عاشته هي في الماضي و قد نجحت في مسارها عن استحقاق. لكن و بدون الدخول في التفاصيل، سُجنت لسبب ما ووجدت نفسها بين جدران مغلقة. وواقع الأمر أننا كلنا صدمنا و حزناَّ، لأن طاقة تلك السيدة لم تكن تسعها جدران أربعة.
بعد مرور شهور على هذا الأمر سمعت من صديقتها أنها واصلت عملها التنموي داخل السجن و أصبحت أكثر قربا اجتماعيا من السجينات الأخريات. لكن ما صدمني الصدمة الكبرى أن هذه السيدة كانت دائما تريد الاقتراب من نزيلات السجون و التعرف على قصصهن ومساعدتهن على حل جزء من مشاكلهن ما استطاعت إلى هذا سبيلا. و ها هي الآن ليس فقط قريبة منهم بل واحدة منهن!

إذا لم تنوي على شيء فأنت ضمن نوايا الآخرين

قصة للعبرة

مع أن في هذا المثال جوانب كثيرة مختلفة أكثرها لا يحكى هنا. و لكني أريدك أن تفهم لماذا يُستحسن أن تربط أي رغبة وهدف لك بنوايا جيدة و جميلة.
ألم تكن رغبة هذه السيدة أن تقترب من نزيلات السجن؟ هل تحققت نيتها هذه أم لا؟
نعم تحققت. لكن كيف؟ و بعد ماذا!
تحققت بأسوء الاحتمالات -ظاهريا- بأن تكون واحدة منهن.
انتبه جيدا في كل الأحداث التي تقع لنا جانبا ايجابيا و آخر سلبيا وأنت لك القرار في أن تختار الجانب الذي تريد عيشه –

ألم يكن بالإمكان لهذه السيدة أن تقول مثلا: “أنا أنوي أن أساعد نزيلات السجن بأسهل الطرق الممكنة”.
وكانت ستأتيها الإجابات اللامحدودة و الطرق اللامنتهية لتحقق نيتها.

  • قد تتصل بها إحدى الجمعيات التي تهتم بأمور السجينات.
  • قد تتعرف على أحد المحامين و تعمل معه في ملفات اجتماعية.
  • ممكن أن تأتيها فرصة عمل داخل السجن نفسِه لترافق النزيلات نفسيا و اجتماعيا.
  • إنها الاحتمالات اللامحدودة لإجابة نية واحدة كان من الممكن أن تطلق نحو السماء!

في ختام هذا المقال الأول من موضوع النية إليك حكمتي

لتكن النية الإيجابية هي أصل كل عمل لك. أبدع في إطلاق النوايا، فالإجابات التي ستستقبلها لا محدودة و احذر أن تستخف بهذا الأمر،
لأنك ستدخل ضمن نوايا الآخرين.
انتبه جيدا من المهم أن تؤمن أنك لست أنت من يحقق هذه النية وإنما أنت عليك فقط إطلاقها. نستفيض في هذا الكلام لاحقا –

قوة النية ليست في تحققها و إنما في الطريق الذي ستسلكه نحوها. لأنك لن تعود لما كنت عليه حين تسير في هذا الطريق المستنير 🌟

هذا رأيي، والرأي ظنّ، و الظن لا يُغني من الحق شيئا. أنت ابحث و تبَيَّنِ الحق.

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

2 تعليقات
  1. sanae travel يقول

    رااااائع المقال حبيبتي.. مشكورة علي المشاركة… أنوي لك مزيدا من الإزدهار بكل يسر

    1. Zahra يقول

      شكرا حبيبتي على تعليقك. سعدت بنيل المقال اعجابك

شاركني رأيك

%d مدونون معجبون بهذه: