لماذا لا يعود إلي خيري؟

“دير خير تلقاه”.
“من دل على خير فله اجر فاعله”.
“الخير يطفئ الشر كما يطفئ الماء النار.”
“خيرا تعمل شرا تلقى”.
“مادير خير مايطرا باس”.

كيف نقيس الخير الذي نقوم به؟

كل هذه أمثال مأثورة أو حكم شعبية مرتبطة بموضوع عمل الخير و المقابل الذي ستناله من هذا الخير. حيث يعد هذا من أكثر المواضيع تداولا عبر مختلف العصور وفي كل الديانات و المذاهب، رغم اختلاف المسميات أو طريقة طرحه.

مع تسارع التطور التكنولوجي و اجتماع العالم بأسره في هاتفك المحمول، أضحى أمرا سهلا على الفرد أن يشارك قصص الخير التي يقوم بها أو يسمع عنها، و المقابل الذي جاءه وراء خيره هذا سواء كان مقابلا ماديا أو شعوريا.
ومع كل بادرة خير نسمع بها تنهال التعليقات مباركة لصاحبها على هذا العمل النبيل؛ داعية الآخرين للاقتداء به.

حديثي معك اليوم ليس عن فعل الخير و ما ستلقاه كنتيجة لفعلك هذا، لأنه أمر بديهي و مسلم به. ولكني أريد الكتابة عن تلك المرات التي قمت بها بفعل خير لكن مع الأسف هذا الخير لم يعد اليك!
هل سألت نفسك يوما:

  • لماذا لا يعود إلي الخير الذي أقوم به؟
  • أو لماذا يعود اليك بعكس ما تريده؛ تأكيدا على المثل الشعبي المغربي “مادير خير مايطرا باس”؟
    – بما معناه تجنب فعل الخير لكي لا يحدث ما لا تريد –

المختصر المفيد هو أن هذا العمل الخيِّر كان مشروطا منذ البداية. لم تكن النية خلف هذا الفعل صافية لوجه الله، و إنما أريد بها تحقيق غاية دنيوية محددة.

انتبه جيدا هناك أفعال خير نقوم بها قصداً لنستقبل مقابلها تَحقُّق نية معينة و هذا موضوع آخر نفصل فيه لاحقا –

كيف عالج الدين مفهوم العمل الخيري؟

“ثلاثة يؤتى بهم يوم القيامة: مجاهد وقارئ ومتصدق، فيقال للقارئ العالم فيم تعلمت العلم وقرأت القرآن؟ قال: قرأت فيك القرآن وتعلمت فيك العلم، فيقول الله له: كذبت، …”وتقول الملائكة: كذبت، ولكنك تعلمت ليقال عالم، وقرأت ليقال قارئ، ما تعلم لله ولا قرأ لله،

  • تتصدق بالمال أمام الناس طمعا في السمعة الحسنة بينهم. لكنك تتفاجئ أن الكل يغتابك بالسوء!
  • تساعدين والدتك في البيت لتقول أنك أفضل بناتها. مع هذا تتفاجئين حين تسألينها شيئا ترفض!
  • تشارك علمك مع أصدقائك ليقولوا أنك مثقف. فتتفاجئ أن ما شاركته معهم لم يلق الإقبال المتوقع!
  • تعطين ابنك كل جهدك و وقتك لكي تجديه قربك حين الحاجة. لكنك تتفاجئين بابتعاده عنك كلما كبر!
  • تنهي دراسة الدكتوراه لكي تصبح أفضل من ابن عمك. مع هذا تتفاجئ أنه سبقك لوظيفة الأحلام التي كنت تريدها!

تتعدد الأمثلة لكن عنصر المفاجئة واحد!
لنتفق بداية أن الخير الذي نتحدث عنه هنا قد يكون أي عمل ظاهره ايجابي: صدقة، دراسة، مساعدة، قضاء حاجة، علم، زواج، تربية…

“إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلرُّجْعَىٰٓ” – “وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى”

كل أهدافنا؛ أعمالنا؛ رغباتنا؛ و نوايانا… لابد لها أن تبدأ من الله و تنتهي إليه، حتى يكون طريق الوصول اليها ميسرا. لأن في الأصل ما تريده هو لدى الله، و تحقيق الإرادة موصول بتحقيق مراد الله فيها أولا. فكيف ذلك؟

حين تريد أن تعطي مالا لشخص ما سواء كان صدقة أو هدية أو حتى ديْنا، لتكن نيتك فيه أنك تقدم هذا المال لله. لأنه في الأصل هذا المال من الله، و مراد الله لك بهذا المال أن تنفقه في سبيله بطرق شتى، أن تنفقه عليك باستمتاع أو استثمار أو على أحد آخر بحب.

  • كلما منحت المال في سبيل الله بدل أن يكون في سبيل مدح الناس لك، كلما عاد إليك خير هذا المال.

حين ترغبين في مساعدة والدتك في أشغال البيت أو حتى في تلبية غرض لها خارج المنزل. لتكن نيتك في هذا العمل إطعام عائلتك أو إعادة استقامة بيتك. – نسبة إلى اهدنا الصراط المستقيم؛ قد أفصل في هذا الموضوع لاحقا – لأن في الأصل ارادة الله لنا هي أن نمشي في الصراط المستقيم في كل أمورنا و أن يكون الوسط الذي نعيش فيه مستقيما ( منزلك، غرفتك، مكتبك، مطبخك…).

  • كلما قدمت مساعدة ولو بسيطة في سبيل الاستقامة بدل أن تثبت أنك بطل المنزل أو المسؤول الأول، كلما عاد إليك خير هذه المساعدة.
أمثلة أخرى:

حين يسألك زميل لكفي الدراسة عن درس ما أو أنت أردت مشاركة علم لديك. لتكن نيتك أنك تقدمه كزكاة علم على ما منحك الله إياه من علم حتى الآن. و لتكون من أهل الذكر في ميدانك؛ لأن في الأصل هذا العلم رزق من الله و أنت أوتيت منه قليلا حتى تنتفع به وتنفع به غيرك.

  • كلما علَّمت أشخاص آخرين مما لديك في سبيل تزكية علمك، بدل أن تنتظر أصابع الناس لتشير اليك بالمثقف، كلما انتقلت إلى مستوى أعلى من هذا العلم.

حين تملك الرغبة في إكمال دراستك و الارتقاء إلى مستوى جامعي أعلى. فليكن بنية شكر الله على المستوى الذي أنت فيه الآن. لأن في الأصل الله يقول لك: “لإن شكرتم لأزيدنكم“، وهذه الآية تنطبق على رغبتك في الانتقال من مرحلتك التعليمية الحالية الى أعلى منها.

انتبه جيدا هنالك مغالطات كثيرة حول مفهومي الشكر و الحمد، فلتكن منتبه! –

  • كلما تميزت في دراستك في سبيل القرب من الله بدل أن يكون كدخولك حلبة سباق مع أبناء عمك وخالتك، كلما عاد إليك خير هذه الدراسة.

قد لايكون الخير أو العمل الذي قمت به و لم تعد عليك نتيجته مذكورا في الأمثلة أعلاه. الا أنه تأكد ما دامت أعمالك من الله و إلى الله فستعود إليك فائدتها لأن وعد الله حق و الله لا يخلف وعده.

من اليوم قبل أي فعل لك صغيرا كان أو كبيرا، إسأل نفسك أولا ما مبتدى هذا العمل؟ وما منتهاه؟

هذا رأيي، والرأي ظنّ، و الظن لا يُغني من الحق شيئا. أنت ابحث و تبَيَّنِ الحق.

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

3 تعليقات
  1. مريم زواغي يقول

    مقالك زعزع كياني فعلا شكرا كتاباتك ملهمة

    1. Zahra يقول

      شكرا جزيلا مريم, مرحبا بك في حكمتي

  2. […] مجتهد، كالببغاء. أمزح معك هه لكنك ستقوم بالتركيز على سمة الاجتهاد. ستأخذ ورقة وقلم […]

شاركني رأيك

%d مدونون معجبون بهذه: